أبذل جهدي في تخصص لا أحبه، فما نصيحتكم لي؟

0 208

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أطلب منكم المشورة بعد أن أعياني التفكير.

حينما كنت طالبة في المرحلة الثانوية تعرضت لظروف عائلية أتعبتني كثيرا وسببت لي ضعفا في الشخصية، هذا الضعف جعلني أتبع صديقاتي في تخصصي الأدبي، رغم أن رغبتي كانت في المجال العلمي.

تخرجت منذ ست سنوات من تخصص جامعي لا يمت لي بصلة، وكان دخولي فيه رغبة لتلبية طلب والدتي، وهذه المجاملة أدفع ثمنها الآن، تخصصت في تخصص لا أحبه ولا يناسب قدراتي ومهاراتي فقط لإرضاء والدتي أطال الله في عمرها وحفظها لنا، تخرجت من تخصصي الجامعي بامتياز مع مرتبة الشرف، وفور تخرجي توظفت وأنا في حالة لا يعلم بها إلا الله حتى ظهر الشيب في رأسي، وهذا عائد إلى مزاجي المتعكر دائما بسبب وجودي في وظيفة لا تمت لقدراتي ومهاراتي وطموحاتي بأي صلة.

استقلت من العمل بحثا عن مسار آخر أجد فيه متعتي ولكن للأسف بقي تخصصي الجامعي عائق في طريقي ورأيت أنه لا مفر منه، وخاصة أن فيه دخل مناسب لي وأنا أعتمد على نفسي ماديا فوجدت نفسي مجبرة عليه، وعدت إلى العمل!

ومما يزيد الأمر سوء أنني أكمل الدراسات العليا في نفس تخصصي الجامعي وأحاول أن أقنع نفسي فيه، ولكن للأسف تمر السنة وتأتي السنة التي بعدها وأنا في نفس الحالة من الندم وأتمنى لو يعود بي الزمن لأصحح ما فاتني، حالتي النفسية جدا سيئة، فهل تستطيع أن تتخيل كيف تذهب للدوام يوميا في مكان لا تحبه لتقوم بعمل لا تحبه؟! ومع ذلك أيضا تحضر درجة علمية في نفس التخصص الذي لا تحبه ولا تجد نفسك فيه!!

حاولت أن أجد لي مخرجا ولكن للأسف لم أستطع، عكفت على كتب تطوير الذات وتحليل الشخصية لعلي أجد حلا من هنا أو هناك، ولكن للأسف إن اتبعت مهاراتي وهواياتي فسأفقد الوظيفة التي أعتمد عليها ماديا خاصة أن هذه الهوايات لا تدر علي دخلا ماديا، وإن استمررت في تخصصي فأنا أقضي حياتي في شيء لا أحبه، وأشعر أن هذا إجرام في حق نفسي، وإن كان الحل في أن أعيد دراسة مرحلة البكالوريس من جديد، فالعائق المادي والسفر جميعها تقف في طريقي.

ولك أن تتخيل أنني أفكر في هذا الموضوع منذ 6 سنوات، ولك أن تتخيل أيضا أنه يشار إلي بالبنان في عملي، فأنا فتاة جدا جدا طموحة وهذا ما عرف عني منذ صغري، أبحث عن التميز في أي مكان أوضع فيه، وأكون حريصة على أن أقدم عملي بأكمل وجه، فلك أن تتخيل أن تقدم كل ما سبق في وظيفة لا تحبها ولا تستطيع تغييرها

وحينما أتأمل نفسي أشفق عليها، وأتخيل لو أني تخصصت فيما أحب كيف ستكون حالتي، وكيف سيكون أدائي في عملي، وكيف ستكون نفسيتي؟ تعبت من البحث عن مخرج ويئست من إيجاده، فهل من مخرج؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

اعلمي بنيتي أن التخصص أصبح بالنسبة لك واقعا معاشا لا بد من التأقلم معه ومحبته، والرضا بما اختاره الله لك، وكوني واثقة بأنك ستكتشفين لاحقا بأن لك في هذا المجال من الخير ما لم تكوني تتوقعين؛ فالله -سبحانه وتعالى- لا يختار لنا إلا الخير، ولكن بشرط أن ترضي، وأن تحولي هذا الرضا إلى واقع عملي؛ لتتمكني من التميز والنجاح فيه، فليس من الحكمة أن تضيعي تعب سنوات الدراسة، وتجعليها هباء منثورا. عن أنس -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " .. فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ". رواه الترمذي وقال حديث حسن.

فأول شيء أنصحك به الآن أن تتوقفي عن الرسائل السلبية التي ترسلينها إلى دماغك بأنك تكرهين هذا التخصص، وأن تستبدليها برسائل إيجابية، مثل: أنا أحب تخصصي، أنا أبدع فيه، واطلعي حول تخصصك، ما هي مجالاته؟ وكيف يمكن أن تستثمريه وتستفيد منه بشكل يلبي طموحك، من خلال قراءة المقالات والأبحاث، وآخر ما توصلت إليه الدراسات في تخصصك؟ وناقشي مع أساتذتك في الجامعة أهمية هذا التخصص، وتعرفي على شخصيات لها بصمتها في هذا المجال، وتقربي منهم واسأليهم:
- لماذا اختاروا هذا التخصص؟
- وما الجوانب المميزة فيه؟
- ولماذا أحبوه؟
- وكيف أبدعوا فيه؟

لكن قبل أن تسأليهم، فرغي كوبك من قناعاتك السلبية، وهيئي نفسك لتقبل ما يقولونه بموضوعية وتجرد عن مشاعرك السابقة، أصغي إليهم بعقلانية، وتناسي رغبتك وميولك القديمة.

ذكرت أنه يشار إليك بالبنان في عملك، وأنك فتاة جدا جدا طموحة وهذا ما عرف عنك منذ صغرك، تبحثين عن التميز في أي مكان توضعين فيه، وتكوني حريصة على أن تقدمي عملك بأكمل وجه، ومما يزيد في حزنك أنك تقدمين كل ما سبق في وظيفة لا تحبينها ولا تستطيعين تغييرها، كونك لا تستطيعين تغييره لحاجتك المادية، إذا أحبيه، ركزي على إيجابياته، ومدى النفع الذي يمكن أن تقدميه للناس من خلاله، أعطي رسائل إيجابية لعقلك، أن عملك رائع، وأنك تحبين عملك، وأنك نافعة لمجتمعك، مبدعة في عملك.

مارسي مع عملك هذا ما تحبين من هوايات، ولا سيما ما ذكرت من قراءة كتب تطوير الذات، وطوري مهاراتك في هذا المجال من خلال الطلب من رئيسك في العمل أن تلقي محاضرات حول تنمية الذات لزميلاتك في العمل، فهذا سيشعرك براحة أن جزءا مما تحلمين به وتحبينه يتحقق.

ذكرت أن دخولك لهذا المجال كان إرضاء لوالدتك، لذا ثق أن الله لن يضيعك، وأنه سيفتح لك أبوابا كنت تظنينها لا تفتح، وأنك ستدركين عاجلا غير آجل خيرية ما اختار الله لك، ولكنه العقل البشري القاصر عن إدراك مكامن الخير ظنا منه أن ما يحبه ويختاره هو الخير المطلق. وتذكري قوله تعالى: ((وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

قال الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد:
منها: أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور، والرضا بما يختاره له ويقضيه له؛ لما يرجو فيه من حسن العاقبة.

ومنها: أنه لا يقترح على ربه، ولا يختار عليه، ولا يسأله ما ليس له به علم؛ فلعل مضرته وهلاكه فيه وهو لا يعلم! فلا يختار على ربه شيئا؛ بل يسأله حسن الاختيار له، وأن يرضيه بما يختاره؛ فلا أنفع له من ذلك.

ومنها: أنه إذا فوض إلى ربه، ورضي بما يختاره له؛ أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر، وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه.

أرجو أن تقرئي هذه الكلمات بتمعن وتدبر لتكون عونا لك على الرضا والسكينة والسلام النفسي.
أسأل الله أن يجعلك من أهل الفلاح في الدارين اللهم آمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات