السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالبة جامعية في الدراسات العليا، والحمد لله وفقني الله فنجحت في مسابقة الدكتوراه في إحدى الجامعات التي تبعد عن مكان سكني بأكثر من 150 كلم، في بداية الأمر شاركت في الجامعة التي أدرس فيها في مرحلة ما قبل الدكتوراه، لكن لم أوفق، فكنت مجبرة على المشاركة في جامعات أخرى بالرغم من أنني من النوع الذي لا يتحمل البعد عن البيت، فأنا سريعة التأثر وحساسة جدا عندما أبتعد عن عائلتي ومحيطي لدرجة أنني أرى العالم كله مظلم في تلك الحالة، لكن ومع ذلك اختارني الله للنجاح في مكان بعيد، ومن هنا تبدأ رحلة الضغوط والأحزان والضيق النفسي، فكلما يحين الوقت للذهاب إلى الإقامة الجامعية تتداخل كل أوراقي، ويتغير مزاجي للأسوأ ولا يخفف عني سوى قراءتي للقرآن وذكر الله، وهكذا وبشق الأنفس تجاوزت عاما من التكوين بين المد والجزر أحزان وضيق كبير يجعلني في كثير من الأحيان أفكر في التخلي عن الدراسة.
الآن ونحن في العطلة الصيفية لم يمض يوم منها وعشته سعيدة، فأحزاني تتراكم بمجرد أنني أفكر أنه قريبا ستنقضي أيام العطلة، وسأعود إلى ذلك المكان، وأعد الأيام دقيقة بدقيقة ساعة بساعة وهو ما يؤرقني.
أرجو أن تفيدوني، فأنا في حالة نفسية سيئة للغاية أخشى أن تؤثر على مستقبلي، ففي الدراسات العليا يقتضي أن يكون الطالب متزنا نفسيا؛ لأنه مجبر على التدريس, الإلقاء الشفوي في الملتقيات، إلخ، وهو ما زاد من مخاوفي، حسبي الله ونعم الوكيل.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ft ha rd حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسعدني طموحك ونجاحك في الدراسات العليا، ومبارك قبولك في مسابقة الدكتوراه.
لا بد لي أن أذكرك في البداية أنك إنسانة طموحة مجدة مثابرة، تمتلك هدفا تسعى إليه، تمتلك القدرة على أن تصل إلى ما تريد، ولديها من العزم ما يجعل الصعوبات تتذلل أمامها، والدليل أنك وصلت إلى مستوى عال في التحصيل العلمي.
ذكرت في رسالتك أنك لا تطيقين البعد عن عائلتك ومحيطك، وأنك سريعة التأثر وحساسة جدا، وعندما تبتعدين ترين العالم كله مظلما، وتشعرين بالضيق النفسي الشديد، وتغير المزاج نحو الأسوأ.
سأطلب منك الآن أن تتخيلي نفسك أنك استسلمت لهذا المشاعر السلبية، وتركت إكمال دراستك، وعدت إلى أحضان محيطك، بينما زميلاتك تابعن الدراسة واجتهدن وتميزن، وحصلن بعد فترة قصيرة من الزمن على شهادة الدكتوراه بدرجة ممتاز، أريدك أن تقفي معي على هذه الصورة وتتأمليها جيدا، وتتخيلين أبعادها، وأدق تفاصيلها، ومن ثم تصفين إحساسك، ماذا تتوقعين أن يكون؟ حبذا أن تحاولي كتابته.
- كيف سيكون شعورك حينها؟
- وهل عودتك إلى وسطك الاجتماعي كان سبيلا لنجاحك وتميزك؟
- هل ستكونين راضية عن نفسك حينها؟
نعم إن الإنسان بطبعه متعلق بمحيطه وعائلته، ولا سيما الأنثى، تكون شديدة التعلق تحكمها عاطفتها، ولكن لكل مقام مقال، فلا بد من النظر إلى الأمور بعقلانية، ودراستها دراسة موضوعية، وعدم السماح للعواطف أن تتدخل، حتى لا تكوني ضحية لتلك المشاعر السلبية التي تعيشينها بسبب البعد، فالمرحلة التي وصلت إليها أظن أنها تحتاج منك بعض التضحية، ومع ذلك ثمة العديد من الحلول منها:
هل من الممكن أن تجدي لنفسك العمل المناسب في تلك المنطقة التي تدرسين بها، وتوفقين بين العمل والدراسة، ومن ثم يكون لك وارد مادي يمكنك من دفع أجرة بيت للسكن، وهكذا يكون بمقدور عائلتك زيارتك والإقامة عندك لفترة، فالمسافة ليست بالبعيدة بينكما.
كما أنه بإمكانك أن تأتي لزيارتهم في أيام العطلات، أو كلما سنحت لك الفرصة.
الإنسان بطبعه ينفر من الوضع الجديد حين يفرض عليه، ويجده صعبا ومستحيلا وشاقا، حيث ينظر إليه من بعيد، لكن ما إن يبدأ بالخطوة الأولى، ويخوض غمار التجربة، حتى يهون الأمر عليه ويجده أهون ألف مرة مما كان يتوقع، ولا سيما إن كان لديك زميلات محبات صالحات إيجابيات، تملؤهن روح النشاط والحيوية، وفيهن من العزيمة والإرادة ما يبلغهن ما يتمنين، حينها يستطعن أن يأخذن بيدك لتصلين معهن إلى القمة.
والأهم من هذا وذاك أن تتذكري أن الله معك دائما في حلك وترحالك، فحافظي على صلواتك، واجعلي لنفسك وردا من القرآن الكريم، والأذكار، واحرصي ألا تفوتك أوراد الصباح والمساء، فذلك خير معين لك للوصول إلى السكينة والطمأنينة، وانشراح الصدر.
أسأل الله أن يجعلك من أهل الفلاح في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.