السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم على قسم الاستشارات، والذي لا زلت أستفيد منه.
أنا أصنف نفسي -ويصنفني أهلي- من الشخصيات الخجولة، رغم أنني اجتماعي، وكنت صاحب علاقات، وأحب الاجتماع مع الناس، وصاحب نكتة وضحك، لكنني في الوقت نفسه خجول بشكل ملحوظ، وخصوصا عندما يوجه الخطاب لي، أو يتم إسناد أي موضوع بشكل مباشر لي، تظهر علامات الخجل وأبرزها احمرار الوجه، وخفقان القلب؛ مما ينتج عنه خروج الكلام بشكل مرتبك، ليس مع كل الناس، ولكن بشكل عام.
المشكلة أنني أستطيع أن أسيطر جزئيا مع الناس العامة، ولكن المشكلة العظيمة والكبيرة هي مع والدي تكون جميع هذه المشاكل واضحة جدا، وخصوصا إذا كان أهلي مجتمعين، لا أستطيع أن أتحدث معه بعفوية، وعند محاولة ذلك مع ضحكات أهلي وإخواني تبدأ علامات الضحك.
علما أن أبي هادئ جدا، ومثقف، ولم يبدر منه أي تصرف أزعجني طيلة حياتي، وللأمانة عندما يرى آثار الخجل في يحاول أن يلف وجهه كي لا يحرجني، أو أن يحسسني بالانتباه، لا أستطيع قراءة دعاء أمامه، أو سورة من القرآن، رغم أنني أقرأ أمام زملائي.
والله العظيم إنني أحيانا أبكي على وضعي، أريد حلا وإن كان علاجا، لا أريد أن يتطور وضعي وتزداد حالتي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
توصيف المشكلة: امتلاك لشخصية اجتماعية، لها علاقات اجتماعية قوية، تحب الناس، وصاحب نكتة وضحك، ولكن في الوقت نفسه لديها خجل بشكل ملحوظ، وخصوصا عندما يوجه الخطاب لك أو يتم إسناد أي موضوع بشكل مباشر لك، وعلى الأخص أمام والدك.
الحلول والعلاج: إن الخجل حسب رأي خبراء الصحة يمكن وصفه بنوع من أنواع القلق الاجتماعي، الذي يؤدي إلى حدوث مشاعر متنوعة تتراوح بين القلق والتوتر البسيط، إلى مشاعر رعب وهلع واضحة، تصنف في علم النفس تحت إطار أمراض القلق والتوتر خصوصا.
من أهم أسباب الخجل ، الأساليب التربوية غير الصحيحة للإنسان منذ صغره، فغالبا ما يميل الوالدان تحت عنوان الحرص على الأبناء، بمنعهم من الخروج من المنزل، أو الذهاب في الرحلات المدرسية، ولا يسمحون لهم بمجالسة الضيوف عند زيارتهم في المنزل بحاجة أنهم لا زالوا صغارا، كما أن بعض الأسر تقوم بمنع الأطفال بالتحدث مع الغرباء خوفا عليهم، والاكتفاء بالتعامل فقط مع الأسرة.
كما أن النقد المستمر للطفل منذ صغره كلما تحدث بموضوع ما، أو قام بعمل ما، والسخرية منه، وعدم فتح باب الحوار معه، وترك مساحة للتعبير عن رأيه، يولد شخصية خجولة ضعيفة حين يكبر، يخشى الناس، ويخاف من التحدث أمامهم خوفا من الاستهزاء به أو السخرية منه.
أما خوفك من والدك تحديدا، رغم أنه لطيف معك، ولم يصدر منه موقف يزعجك طوال حياته، هذه تحتاج منك للعودة إلى مرحلة الطفولة، فلعل الوالدة كانت تهددك بوالدك، أو لا تترك لك المجال أن تطلب منه شيئا، أو تردد على مسمعك دائما، والدك ينزعج إذا قلت كذا أو فعلت كذا، فالطفل يحتفظ بذاكرته بالصورة السلبية، ويتعامل على أساسها حين يكبر دون أن يدري، فأي مشكلة نفسية في حياة الإنسان تعود في جذورها إلى مرحلة الطفولة.
"ويربط علماء النفس، بشكل أساسي، الخوف من التحدث أمام الآخرين بالخوف من التعرض للرفض.
الخوف من التعرض للرفض هو قوي للغاية؛ لأننا لا نخاف فقط من موقف محرج أو من أن يحكم أحد علينا، بل نخاف أيضا من أن ننعزل عن مجموعتنا، ونترك لوحدنا لحماية أنفسنا."
لذا عليك أن تطرح على نفسك الأسئلة الآتية:
- لماذا تخاف حين يوجه الخطاب لديك؟
- ما هي الأفكار التي تدور في ذهنك لحظة توجيه الخطاب إليك؟
- ما الصورة التي تتخيلها في تلك اللحظة؟
- ولماذا تزداد خجلا من والدك؟
فالإجابة على هذه الأسئلة بوضوح وصراحة، ستساعدك على تخطي خوفك .
- هل تخاف من حكمهم عليك؟
- هل تخشى السخرية والاستهزاء؟
- هل تخاف من الارتباك والخطأ في الكلام؟
- هل تخاف من ملاحظات والدك؟
- أما أنك ترى نفسك دون ما كان يأمل ويتمنى؟
بعد تحديد إجاباتك على الأسئلة السابقة أنصحك بما يلي:
1- التدريب: بينك وبين نفسك وأن تقوم بما يلي: قف أمام المرآة وتحدث مع نفسك في أي موضوع يخطر لك، ولاحظ قدرتك على الكلام، وقدرتك على إدارة الحوار، تخيل أصدقاءك معك، يشاركونك، وتوقع جوابهم، ورد عليهم بطريقة لطيفة لا تخلو من أسلوب الإقناع المحبب اللطيف، أنت قادر على ذلك؛ لأنك ذكرت أنك اجتماعي بطبعك، وإنما فقط مشكلتك ضعف الثقة بنفسك، هذه التجرية كررها أكثر من مرة، ستعزز ثقتك بنفسك، وستكتشف أنك قادر على إدارة الحوار، وجذب اهتمام وإصغاء الناس من حولك أثناء الحوار.
2- اطلب من أحد إخوانك أو أصدقائك المقربين أن يساعدك على تخطي مشكلة الخجل مع والدك، وناقش معه الموضوع بكل وضوح، واشرح له شعورك وأنت تتحدث مع والدك، وما يدور في رأسك في تلك اللحظات، واطلب منه النصح والإرشاد.
3- تحد نفسك، وقرر أن تبدأ حوارا مع والدك حول موضوع ما، بعد أن تشحن نفسك بالأفكار الإيجابية، من خلال إرسال الرسائل الإيجابية إلى دماغك، "أنا متحدث رائع ... أنا أملك شخصية قوية... والدي فخور بي... والدي يحب أن يصغي إلي..." ولا بأس أن يكون في البداية حوارا قصيرا، ومن ثم يطول رويدا رويدا حتى لا يشكل ضغطا نفسيا عليك، ولتكون مرتاحا أثناء الحوار.
4- تذكر أن والدك شخص طيب جدا، يحبك كثيرا، ويتمنى أن يراك إنسانا قويا ناضجا، فهذه الأفكار ستعطيك راحة وطمأنينة، وتشكل لك الحافز والدافع.
أسأل الله أن يلهمك الحكمة في القول والسداد في العمل، ويرزقك بر والديك، اللهم آمين.