السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب عمري 19 سنة، منذ كنت في عمر 14 سنة كنت مواظبا على الصلاة وقراءة القرآن واتباع السنة حتى أحببت الله حبا شديدا لدرجة أنني كنت أنتظر الليل لأقوم وأصلي.
اضطررنا للسفر بسبب الأوضاع المحلية في البلاد، ومكثنا حوالي 60 يوما في الغربة في مكان حتى تخبرنا منظمة السكن بدورنا في منزل للإيجار، ولا نستطيع رفض المنزل الذي يقدم لنا, فحصلنا على منزل موقعه سيئ جدا، حيث يقع بجانب خط المواصلات العام ومقابل محطة القطار التي تحتوي على 12 سكة حديد, وضمن 30 ثانية ينطلق 2-3 قطارات، مما يصدر ضوضاء كافية لتحطيم الأعصاب وليس فقط الإزعاج.
بصراحة بعد سفرنا هذا قصرت بحق ربي، وارتكبت بعض المعاصي التي أثرت علي، وندمت عليها.
بدأ الحزن والهم يخيمان علي، فبسبب الضوضاء ضعف تركيزي وأصبت بألم مزمن في الرأس مما جعلني غير قادر على الخشوع في صلاتي، وكلما أحاول وأفشل أشعر بحزن شديد، ويلازمني البكاء حتى شعرت بآلام في عيوني.
السنة المقبلة سأبدأ الدراسة في الكلية، وأنا خائف جدا من استمرارية هذا الوضع، علما أننا نبحث عن منزل آخر، رغم أن والدي لا يشعران بما أشعر به من إزعاج وألم، وكلما عثرنا على منزل يقولان إنه غير مناسب.
أشعر أن كل الأبواب مغلقة تماما, وأجد صعوبة كبيرة في الخشوع أو التضرع، أرى الدنيا مظلمة، وصرت أغضب كلما رأيت أحدا يرتكب المعاصي، ماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Abdallah حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- بارك الله فيك – أخي العزيز – وفرج همك وكشف غمك ويسر أمرك وشرح صدرك، وأشكر لك تواصلك مع الموقع وحرصك على كمال وصحة دينك وأخلاقك, وفقنا الله وإياك وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته, ورزقنا التقى والهدى والعفاف والغنى؛ إنه سميع عليم جواد كريم.
- لا شك أنه من فضل الله عليك أن تحظى بتربية حسنة أسهمت بحرصك على الطاعة والعبادة وقراءة القرآن والذكر حد التلذذ والاستمتاع بالصيام والقيام, وهي درجة ونعمة قل من يحصلها في مثل هذه الظروف والأزمان, مما يستلزم منك المحافظة عليها بالصبر على البلاء, والشكر للنعماء, والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء, لاسيما مع ما ذكرت من اضطرارك للسفر بسبب الأوضاع المحلية للبلاد, فرج الله عن بلادكم وسائر بلاد المسلمين, وجعل عاقبة هذه الأحداث إلى خير.
- كما وأن من فضل الله عليك, ودليل حسن دينك وخلقك وتربيتك كراهيتك للمعاصي وأهلها, وتوبتك الصادقة والنصوح بعد الوقوع في شيء منها, فالندم توبة, والتوبة تهدم ما كان قبلها, والتائب من الذنب كمن لا ذنب له, وقد نص القرآن الكريم على مضاعفة أجر التائبين (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).
- أوصيك – أخي العزيز – بالمحافظة على نعمة الاستقامة والالتزام لاسيما مع كونك في بلاد الغرب, بالحرص على تنمية الإيمان بطلب العلم النافع والعمل الصالح والإكثار من ذكر الله وشكره وقراءة القرآن ولزوم الصحبة الطيبة ومتابعة المحاضرات والبرامج النافعة والمفيدة.
- وأما بخصوص ما تشكوه من الشعور بالقلق والاضطراب بسبب ضوضاء سكة الحديد التي تجاور منزلكم, فإن هذا الشعور طبيعي, إلا أن مما قد يخفف من المبالغة الزائدة من التوتر والاضطراب استحضار الآتي:
1- استحضار فضل الصبر وما يترتب عليه من عظيم الثواب والأجر, وفي الحديث: (ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن, حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) رواه البخاري ومسلم.
2- محاولة التأقلم والتكيف مع الضجيج, بالاقتداء بأسرتك, ولا شك أن التكيف مع المشكلات والتعود عليها مما يسهلها بعامل الزمن, وكما يقال في الشعر : لكل امرئ من دهره ما تعود, وما لجرح بميت إيلام.
3- إدراكك أن هذه الحالة مؤقتة – بإذن الله – وأنها لن تدوم طويلا ؛ بسبب اقتناع الأسرة الطيبة بالبحث عن منزل مناسب, ولو تأخر الحل, هذا من جهة, كما أن إدراكك أن غيرك من الناس ممن لم يبتلوا بضجيج سكة الحديد إلا أنهم محرومون من نعمة الأمن من الخوف, والإطعام من الجوع, مما يذكرك بشكر نعمة الله عليك, وإن ابتلاك بما ذكرت سلمك الله من كل سوء.
4- محاولة معرفة حقوقكم المدنية في بلاد الغرب والتي قد تمنع السكن في أماكن الضجيج والضوضاء, أو تضع أوقاتا معينة بالسماح بها منعا من ترتب المشكلات النفسية والصحية من جرائها, وبالتالي تقديم الشكوى لديها، يذكر المختصون وسائل مهمة لحسن التعامل والتعايش والتكيف مع هذه الضوضاء والتغلب على الضجيج, وذلك بصرف النظر ما أمكن عن هذه المشكلة من نفسك وتفكيرك, كما قد يسهم إغلاق عينيك والتأمل في أمور أخرى, بحيث لا تفكر في مكانك ومشكلتك, وإعطاء نفسك حقها من الراحة والاسترخاء, ومزاولة الرياضة, وإذا أمكنكم شراء أو صناعة المواد العازلة للصوت, أو تركيب سماعة عزل الصوت تسمع من خلالها القرآن الكريم أو المحاضرات النافعة فإن ذلك مفيد ليجعلك تعيش في عالمك الخاص والهادئ.
أسأل الله أن يمن عليك بجميل الحلم والصبر والأجر, والثبات على الدين والهداية إلى الصراط المستقيم، والفوز برضوانه وجنات النعيم، والزوجة الصالحة والحياة الكريمة والآمنة والسعيدة في الدنيا والآخرة.