السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة أدرس في الجامعة، متدينة، عمري 22 سنة، تقدم لخطبتي العديد من الشباب أصحاب الدين والخلق، ولكنني أرفضهم، وبعد اطلاعي على حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، قررت أن أوافق على أي شاب يتقدم لي، وبالفعل تقدم لخطبتي شاب على خلق ودين، استخرت الله وقبلت به، ولم أهتم في شكله أو عمله أو مسكنه، كل اهتمامي الدين والأخلاق الحسنة، وبعد مدة بدأت تراودني بعض الوساوس والشكوك بأنني تسرعت في قبول الخطبة، وتسرعت في اختيار شريك الحياة، وكثيرا ما تراودني فكرة فسخ الخطبة، علما أنني أقطن بالمدينة وخطيبي من الريف، وأنا خائفة من عدم التأقلم في المستقبل.
أرجو منكم نصحي وإرشادي، أعيش في حيرة، وأصبحت شاردة الذهن ودائمة التفكير، ولا أعرف ماذا أفعل، وهل ستدوم هذه الحالة في المستقبل أم أنها ستزول؟
وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أروى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك وزادك من العلم النافع والعمل الصالح والخلق الحسن, ورزقك الزوج الصالح والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.
بخصوص سؤالك, فلا يخفاك أن الشرع أقر ما يطلبه الناس في زيجاتهم من مراعاة المال والجمال والنسب والدين, فكلها أمور مرغوبة مطلوبة, وفي تحصيلها تحصيل لمصالح الدنيا والآخرة، لقوله تعالى:{{ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة}، وذلك في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فتقديم معيار "الدين" على الأمور الأخرى؛ لأنه بالتقديم أولى عند التزاحم والتعارض, وأما إذا أمكن اجتماع الأمور الأربعة فهو أفضل ولا شك, ولذلك أوصى الشرع باعتبار معياري الدين والخلق في الزوج: كما بالحديث: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه...).
ولما كانت العلة في ذلك تحقيق مقاصد النكاح المذكورة في قوله تعالى: {أزواجا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}، فقد كان مراعاة صفات الدين والخلق من أهم ما ينبغي أن يحرص عليه الزوجان, من غير إغفال للمعايير الأخرى ما أمكن المال والجمال والحسب, وإن كانت الأمور نسبية, حيث يختلف الناس في اعتبارها والتركيز عليها, باختلاف نفسياتهم واحتياجاتهم وظروفهم وثقافتهم, فمعيار الجمال نبه عليه الحديث النبوي في قوله: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج), ولا شك أن من أهم ما يحصل هذا المقصد غض البصر وإحصان الفرج هو الجمال, لا سيما في المرأة كما في الحديث.
وما ذكرتيه من اختلاف البيئات بينك وبين خطيبك, أو بعد المسافة عن أهلك, فلا شك أنه قد يكون مؤثرا على كمال سعادة واستقرار العلاقة الزوجية في بعض الحالات والزيجات, وعليه فأنت أدرى بظروفك, والأقدر على مراعاة وتقدير مصلحتك, واحتمالك لهذا التحدي من غيرك, فأوصيك بمزيد من التريث والصبر, والاستشارة والاستخارة, ودعاء الله تعالى بأن يختار لك ما فيه الخير في دينك ودنياك وعاقبة أمرك, فلا تجدي حرجا في ذلك لأهمية أمر الزواج وما يترتب عليه من آثار سلبية أو إيجابية بحسب نجاحه من عدمه, ولذلك فقد سمى الله عقد النكاح (ميثاقا غليظا), لاسيما مع كثرة المتقدمين لخطبتك, وذلك يظهر مدى تحليك بالمزايا والخصال الطيبة والمطلوبة في الزوجات, الأمر الذي يدعو إلى مزيد من التمهل والسؤال عن الخاطب ومزاياه, ومراعاة مقدرتك على تحمل اختلاف البيئة والظروف, مع النصح لك بالتسامح معها, وعدم المبالغة في اعتبارها أو جعلها تشكل عائقا إذا علمت أو أنست من نفسك القدرة على الاحتمال من جهة, لا سيما إذا كان الخاطب على حال طيبة في الدين والخلق والأمور الإيجابية الأخرى, إذ الكمال في البشر عزيز, والكمال المطلق لله تعالى, فاحذري من المبالغة في القلق والمشاعر العاطفية والوساوس والأوهام.
والخلاصة أولا: في فهم التأصيل السابق.
ثانيا: في إدراكك لقدراتك وظروفك.
ثالثا : في عدم التردد والوسوسة إذا ظهر لك مزايا هذا الزواج, والمبادرة إليه, مع المحافظة على عبادات الذكر والطاعة وقراءة القرآن والاستخارة والدعاء.
أسأل الله أن يفرج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويقوي عزيمتك, ويرزقك الزوج الصالح والتوفيق والسعادة في أمر دينك ودنياك، إنه سميع عليم.