السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا مغترب عن أهلي منذ أن كان عمري 14 سنة، والآن عمري 24، عندي حالات صعب تفسيرها، أرجو مساعدتي إن استطعتم وفقكم الله.
أولا أنا شاب والحمد لله ألتزم وأرجع فأنتكس! لا أعلم ما السبب؟! أتعلق بشخص هو صديقي إذا ابتعدت عنه أختنق، حتى إذا تكلم مع أحد وأعرف أنه سيء أختنق، لقد تعبت نفسيا!
سجنت سنة وشهرين لم أفكر بشيء سوى به فقط أكثر من أهلي! أمنع نفسي من السفر أو حتى العمل لأبقى قريبا منه، لا أعلم ماذا أفعل؟ مجرد تفكيري في البعد عنه أشعر بالإحباط والتعب إلى حد البكاء! أكره كل شيء، أقسم بالله أني بصلاتي أدعو له، وحتى وأنا في السجن لم أدع لنفسي، فقط أدعو الله أن يحفظه، وأن نستمر على هذه الصداقة حتى الموت، إذا التزم هو ألتزم، وإن انتكس انتكس!
أرجوكم، أفيدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohmad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشكر لك –أخي العزيز– تواصلك مع الموقع، وحسن ظنك، وحرصك على موافقة الشرع في حل مشكلاتك الدينية والاجتماعية وغيرها، فأسأل الله أن يسلمك ويعافيك من كل سوء ويوفقك إلى محبته ومرضاته، ويثبتنا وإياك على الدين، ويهدينا صراطه المستقيم.
يظهر من سؤالك ولغتك أنك رغم ابتلائك بهذا المرض، إلا أنك على جانب طيب في الدين والأخلاق والتربية، بدليل حرصك على السؤال للتخلص من المشكلة، ولزومك الدعاء حفظك الله وعافاك.
المحبة والإعجاب والتعلق مشاعر نبيلة وجميلة، لكنها إذا زادت عن حدها انقلبت إلى ضدها، فينقلب هذا الحب السوي والطبيعي إلى كارثة وأمراض نفسية ومتاعب كبيرة كالتي ذكرتها في سؤالك من الشعور بالبكاء الشديد والاختناق ونحوها، وكثيرا ما يعود هذا المرض بسبب الكبت والحرمان العاطفي من الأهل أو الأصدقاء والأسرة، أو بسبب الخلافات والمشكلات الأسرية، أو ضعف الثقة بالنفس مما يؤدي به إلى الشعور بالحاجة الشديدة للآخرين والرغبة في تقدير الذات، فتنشأ هذه العلاقة المرضية والقهرية بسبب هذه الضغوط النفسية للطرف الآخر، فيلجأ إليه على أنه الوحيد الذي يهتم به، وربما يهمل نفسه إهمالا ظاهرا في دراسته وعمله ومظهره وعلاقته الزوجية والأسرية، ويخرج به الحب المشروع إلى العشق الممنوع، فيؤدي به إلى الخيانة الزوجية والفواحش والمنكرات والدخول في غياهب السجون والمخدرات أو الانتحار –والعياذ بالله– عند زواج المحبوب أو هجرانه أو وفاته.
ربما كان دخولك السجن –حفظك الله وسلمك– بسبب هذا المرض النفسي والقهري، لما يؤدي إليه أحيانا من الوقوع في الشذوذ الجنسي وفاحشة اللواط –والعياذ بالله تعالى– ولا يخفى عليك عظيم الإثم والعقوبة لهذه الجريمة والتي عدها العلماء من أعظم الكبائر والجرائم والموبقات؛ لما ذكره تعالى في القرآن الكريم من عقوبة قوم لوط (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد)، وفي الحديث الصحيح (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)، مما يستوجب عليك مراجعة نفسك ومجاهدتها للتخلص من هذا المرض، وذلك بالتالي:
- أن تعلم أن هذا التعلق المفرط والزائد يتنافى ويخالف مقتضى العقل والفطرة، وأن الله تعالى يغار أن يتعلق قلب عبده بغيره أكثر من تعلقه به؛ ذلك لأن فضل الله علينا بنعم الإيجاد والإعداد والإمداد مالا يقارن به غيره، ولذلك فإنه يعاقب عبده إذا تعلق بغيره أكثر منه، ففي الحديث: (من تعلق بشيء عذب به)، وفي حديث آخر: (من تعلق بشيء وكل إليه)، أي أن الله تعالى يعذبه نفسيا ويتخلى عنه ويكل أمره إلى عبده الضعيف الذي تعلق به، فهل يغنيه ذلك عن عون الله وحفظه ورعايته وتوفيقه؟ والجواب لا، ذلك أن الإنسان ضعيف عاجز (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد).
- ولا شك أن للتقصير والغفلة عن الله تعالى والموت والآخرة والطاعة والذكر آثارها السيئة في التعلق بالأشخاص حد الهوس والإدمان؛ لقوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا)، وقال سبحانه: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون)، ولذلك فإن الحل والعلاج يتلخص أولا في إدراك هذا المرض وحقيقته، كما يتمثل في تنمية الإيمان، وتقوية الصلة بالله تعالى والتعلق به وحده ومعرفته بكمال أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وذلك بالإكثار من قراءة القرآن، والمحافظة على الأذكار والعبادات والطاعات، لاسيما الصلوات المفروضات، قال تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، وقال سبحانه: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة).
- فأوصيك –أخي العزيز– بالتوبة وذلك بلزوم الاستغفار، والندم والإقلاع عن الخطأ، والإصرار على عدم العودة إليه، وكراهيته الشديدة في نفسك، والتخلي عنه في واقعك، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار)، (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم)، وفي الأحاديث الصحيحة: (التوبة تهدم ما كان قبلها)، (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).
- كما وأوصيك بالبعد عن صاحبك واجتنابه، واجتناب كل من كان على منواله، واحذر أن يسول لك الشيطان أن شفاء علتك ومرضك في العودة إليه ومصاحبته؛ فإن ذلك طريق الخزي في الدنيا والآخرة.
- وفي المقابل احرص على لزوم الصحبة الصالحة والطيبة، وقد صح في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم-: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
- واحرص على المبادرة إلى الزواج –ما أمكن– طلبا للعفة وإحصان الفرج وغض البصر، وتوفير ما تحتاجه نفسك من حسن الصحبة والمودة والألفة وفق المشروع بعيدا عن المعصية والوقوع في الممنوع، وفي الحديث: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري ومسلم.
- أحسن الظن بربك، وعزز الثقة بنفسك وتحل بالإرادة القوية والحزم والعزم والتصميم، وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
- أوصيك –أخي العزيز– باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، متحريا أوقات الإجابة، قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، وقال سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان).
- أسأل الله تعالى أن يفرج همك ويشرح للتوبة الصادقة والنصوح صدرك، وييسر على درب الطاعة والخير أمرك، ويغفر ذنبك ويستر عيبك ويرزقك الزوجة الصالحة والصحبة الناصحة وسعادة الدنيا والآخرة.