أفكر في مقاطعة والدي بسبب بخله على أبنائه وكرمه على نفسه!

0 35

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا بعمر 18 سنة، ما حكم مقاطعة الوالد بسبب بخله الشديد على أبنائه؟ فأنا أكره نفسي عندما أراه، ولا أطيق النظر إلى وجهه، فهو لديه وفرة مال، ولكن يستأثر به بمفرده، ويجلب كل ما يحب ويعشق من هواتف وملابس ومأكولات له فقط أمامي، ويجعلني ذليلا ليعطيني مالا، قمة الذل والإهانة، لا يعطيني أي شيء رغم وفرة ماله، ويشتري أشياء له ليست أساسية، وينفق ماله على أشياء تافهة لا يحتاجها، ويترك مطالبي الأساسية.

هل أستطيع مقاطعته، بحيث لا يراني إلا وهو يحتضر أو العكس، فأنا لا أستطيع الضغط على نفسي عندما أراه؟

اشتركت أنا وصديقي في مشروع مربح، وأخشى أن يعيق الله هذا المشروع بسبب مقاطعة الوالد؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ tarek حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكر لك تواصلك مع الموقع - أخي العزيز- وأسأل الله تعالى أن يرزقك الصبر والحلم، وأن يثبتنا وإياك على الدين، ويهدينا صراطه المستقيم.

لا شك أني أجدني متفهما لمشكلتك، متعاطفا معك، متألما لأجلك، إلا أن اتصاف والدك بالبخل ونحوه من العيوب لا يبرر لك قطيعته وسوء معاملتك له؛ لما أمر الشرع به من وجوب البر والطاعة والإحسان للوالدين، ولو كانا مشركين، كما لا يخفى عليك من جواب سابق.

لذلك فإن خوفك من عقوبة الله لك بعدم البركة في التجارة والرزق، لا شك أنه وإن دل على فضل الله عليك بحسن الدين والخلق والخوف من الله تعالى، وهو أمر إيجابي تحمد وتشجع عليه، إلا أن لهذا الخوف ما يبرره شرعا؛ حيث قد دلت النصوص الشرعية على أن بر الوالدين من موجبات طول العمر، والبركة في الرزق، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يبسط له – وفي رواية: يمد له – في رزقه وينسأ له في أثره – أي يؤخر – فليصل رحمه) رواه البخاري ومسلم.

الحديث صريح أن بر الوالدين من الأسباب الشرعية للبركة في العمر والقوة في الجسد، والتوفيق للطاعة، وبقاء الذكر الجميل بعد الموت بتقدير الله وحكمته، حيث ربط الأسباب بالمسببات، وربط النتائج بالمقدمات، فالله تعالى يجازي العبد من جنس عمله (جزاء وفاقا)، فمن وصل رحمه وصل الله أجله ورزقه، وصلا حقيقيا ومعنويا، وضده من قطع رحمه، قطعه الله في أجله ورزقه.

أؤكد عليك – أخي الحبيب – بضرورة مجاهدة النفس على تفهم الظروف النفسية لوالدك وربما لسوء النشأة والتربية الأمر الذي يصعب معه التغير إلى الأحسن غالبا، وذلك لكبر سنه ورسوخ طبعه.

تأمل ما الذي تستفيده من كراهيتك لوالدك وقطيعتك له إلا المتاعب النفسية والاجتماعية وغيرها.

- لذا أوصيك بضرورة التحلي بمحاسن ومكارم الأخلاق, وأولى بها ولا شك هما الوالدان, ومنها أخلاق العفو والصفح والمسامحة، قال تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله إن الله يحب المحسنين) وقد صح في الحديث قوله: (ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا)، فلا تبخل على نفسك بالثواب والأجر، ولا تجر على نفسك إثم العقوق وضياع الراحة النفسية والبركة.

مما يعينك على ذلك مقارنة خطأ الوالد بحسناته الكبيرة في تربيتك وتعليمك ورعايتك وغيره من الصغر حتى صرت على هذه الحال الطيبة، وعليه فليس من الشرع الحنيف والعقل الحصيف والفطرة السليمة مقابلة هذا الإحسان الكبير والكثير بالذنب القليل، وتذكر أنك ولد اليوم ووالد في الغد، فهل ترضى أن يعاملك أولادك كما عاملت والدك؟

لا تظن أنك ستخلو من العيوب والملاحظات، حيث لا يخفى أن لعامل السن والأزمات آثارهما السيئة في تغير الطباع والأخلاق والدين, ولذلك فقد قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)، فانظر كيف قرن الله طاعته وتوحيده بطاعة وبر الوالدين، وأمر بالإحسان إليهما، وهو التعامل بأحسن من المثل والعدل، ومراعاة سنهما وحسن التعامل معهما، والدعاء بالجميل لهما، اللهم وفقنا لبر والدينا يا أرحم الراحمين، وسامحنا في تقصيرنا معهما يا أكرم الأكرمين.

أسأل الله تعالى أن يغفر لك ولوالدك ويعفو عنكم، ويصلح والدك ويهديك إلى محبته ومرضاته، ويجنبك قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، ويعينك على الطاعة ويبارك لك في عمرك ومالك، ويرزقك بسعادة الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات