السؤال
السلام عليكم.
انتشرت أقاويل كثيرة في زماننا هذا حول الحجاب والستر وغض البصر، إلى آخره من الأمور التي تشمل كلا الجنسين، وكثير من النساء يقلن: لماذا علي أن أرتدي الحجاب؟ لماذا لا يغضون هم البصر؟ أو يقلن: الرجال يفتنون أيضا، فلماذا لم يأمرهم الله أن يستروا أنفسهم مثلنا؟
لست منهن، لكن خطرت ببالي فكرة: صحيح أن الرجال قد يكونون فتنة في بعض الأحيان، لكننا كلنا نعرف أن في مسألة غض البصر الرجال أضعف من النساء؛ لهذا أمر الله تعالى المرأة أن تستر نفسها؛ كمساعدة للذكر أن يغض البصر ولا تفتنه بدورها، اذا أليس أمره تعالى بالحجاب للنساء دون الرجال هو إقرار بأنهن أقوى؟ أليس كأنه يقول: يمكن للمرأة أن تتحمل لكن الرجل لا؟ إلا من رحم ربي طبعا!
ألا يدل هذا الأمر أنه تعالى لم يظلمها ولم يهنها؟ ولو أنني حتى لم أفكر هكذا، فأنا أعلم أن الله لم يظلم المرأة أبدا، لكن نحتاج أن نفكر بهذه الطريقة؛ فكثير من النساء يصبحن ملحدات بسبب ظنهن أن الإسلام يحتقر المرأة.
أخبروني هل تفكيري خاطئ؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميساء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك –أختي الفاضلة– وأشكر لك تواصلك مع الموقع، واعتزازك بدينك وحجابك –كما يظهر من سؤالك–، وحرصك على أداء واجب الدعوة إلى الله، وإقامة الحجة وإزالة الشبهة وإبلاغ هذا الدين، فأسأل الله أن يبارك فيك ويرزقنا وإياك التوفيق والسداد، ويلهمنا الحكمة والصواب والرشاد.
لا شك أن التكاليف والأحكام الشرعية كلها متعلقة بمشيئة الله وعلمه وحكمته، كما قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما)، وهذه الحكم قد تكون معلومة معقولة عند الإنسان، وقد تخفى عليه لضعفه وعجزه عن فهم مقاصد وأسرار الشريعة فتكون تعبدية، وفي الحالين يجب على المسلم والمسلمة امتثال الأمر، ويقول: (سمعنا وأطعنا) تصديقا للخبر وامتثالا للشرع، وإيمانا بحكمة وعدل الرب سبحانه وتعالى.
والحكمة من الحجاب –أختي الكريمة– هنا فيما يظهر معلومة؛ وذلك لقصد حفظ الأعراض عن الفواحش وتحصيل العفة، وغض البصر، وإحصان الفرج، كما قال سبحانه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون)، فتأملي كيف ربط بين غض البصر وإحصان الفرج.
ولذلك فقد اتخذ الإسلام إجراءات وقائية لحفظ الأعراض ومنع الفواحش؛ كتحريم الزنا، والتبرج، والخلوة بالأجنبية، ومصافحتها، وسفر المرأة بغير محرم، والأمر بغض البصر عن النظر بشهوة إلى الطرف الآخر.. إلخ.
وكما أمر تعالى الرجال بغض البصر كذلك فقد أمر النساء به في قوله في الآية بعدها: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن...)، ومعلوم أن النظر أول طريق الفتنة.
كما قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
وإنما شرع الحجاب للنساء دون الرجال؛ لأمور منها:
- تميز النساء بالجمال والزينة عن الرجال؛ ولذلك أباح الشرع للنساء لبس الذهب والحرير بخلاف الرجال، قال تعالى: (أو من ينشؤ في الحلية)؛ وبالتالي فإن سفورهن وتبرجهن فيه الإغراء والإثارة والفتنة، نعم، فقد يكون في الرجال جمال وإثارة، لكنه لا يبلغ في الغالب مبلغ النساء -كما هو معلوم-؛ ولذلك فإن حجاب الرجل في تغطية ما بين السرة إلى الركبة كما هو حجاب المرأة مع المرأة فحسب، وأما إذا كانت الفتنة فيشرع تغطية وستر كل ما يمنع الفتنة وغض البصر عنه، ولو من المحارم؛ مراعاة لمقصد الشرع في العفة وسد باب الفتنة.
- ومن الحكم أيضا حاجة الرجال -بل وضرورتهم- إلى العمل والبروز للمجتمع أكثر من المرأة، ولا يخفى عائق الحجاب عن ممارسته لهذا الدور.
- كما أن شهوة الرجال أغلب وأعظم من النساء، والإثارة فيهم أسرع؛ فهم –كما ذكرت في تعليلك الحكيم– أضعف في الصبر على الفتنة.
- كما أن من مقتضى الرجولة أن غيرتهم أعظم من النساء؛ بدليل إباحة الشرع للرجال الجمع بين أربع زوجات إذا توفرت الحاجة، والقدرة والعدل، بخلاف المرأة.
لا ينبغي أن يفهم أن فرض الحجاب على المرأة من باب الإهانة لها، بل هو حماية لها من ذئاب البشر، وأعداء العفة والطهر، ومنعا من الأذى بها والعدوان عليها، وفي ذلك صيانة لطهارتها وللمجتمع كله، وتقدير لمكانتها وإكرام لجمالها أن يبتذل كسلعة كما تفعل المؤسسات الغربية في مسابقات ملكات الجمال وعارضات الأزياء، وتعليق صورها العارية على السلع وغيرها؛ ترخيصا لها، وامتهانا لكرامتها.
وحسبنا أن بلاد الغرب تعج بالفواحش والفتن، وظواهر الاغتصاب، والانتحار، والشذوذ الجنسي؛ كالمثلية، والأمراض الجنسية؛ كالإيدز، والسيلان، والزهري وغيرها، وأصبح عقلاء الغرب يتنادون اليوم لمنع الأسباب المؤدية لذلك؛ كالعري، واختلاط النساء بالرجال.
أوصيك –أختي الكريمة حفظك الله– بالاطلاع على كتاب (عودة الحجاب) للدكتور: محمد إسماعيل المقدم في ثلاثة مجلدات، والدعوة إلى الله تعالى، ودعائه سبحانه بالثبات والاعتزاز بقيم وأحكام هذا الدين، والهداية إلى صراط الله المستقيم، وأن يشرح صدورنا، ويردنا إلى دينه مردا جميلا، ويرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وحسن الدعوة إليه، وحسن الختام؛ إنه سميع عليم.
والله الموفق.