السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أعيش منذ صغري بين الألم والقهر، بسبب قسوة أبي الذي يفرق بيني وبين إخوتي في المعاملة والمال، وعندما أكرمني ربي بعمل بسيط، ولكن الصدمة عندما اكتشفت أن جميع إخوة أبي يطاردونني في عملي ورزقي، وأبي يريد أخذ معاشي دون سبب.
لا أستطيع العيش إخوتي، ولم أر منه إلا الإساءة والضرب والحرمان منذ الصغر، وكنت أعلم إذا الأب لا يحب ابنه فأمه تحبه وتعوضه عن حب أبيه، ولكن العكس تماما، فأمي كانت تؤذيني لكي ترضيه، وعندما أحدثهم في الدين لا يرغبون، وأبي لا يحب الذهاب إلى صلاة الجمعة منذ سنوات طويلة، كما أتعرض لتسلط الناس بكلامهم عني، وذمهم لي بسبب سوء تعاملي معهم، لأنهم يضايقونني بدون أسباب في رزقي وعملي وحياتي، فكيف أبرهما وهم لا يفكرون إلا بجعل إخوتي أفضل مني؟
خاصمتهم وتجنبتهم دون جدوى، وأنا شاب أريد أن أعيش حياة هادئة، وأتطور في عملي، وأتزوج، ولكن حياة الألم والقهر التي أعيشها عكرت صفو حياتي، فأنا أخاف الله وأرغب بنصحكم في كيفية التعامل معهم.
أفيدوني مع الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أخي الكريم-، وردا على استشارتك أقول:
فوالداك هما السبب في وجودك، وحقهما عظيم، فعليك أن تقوم بحقهما كما أمرك الله تعالى مهما كانا قاسيين نحوك.
لبر الوالدين مردود عظيم على حياتك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أراد أن ينسأ له في أثره ويبسط له في رزقه فليصل رحمه).
أتمنى أن تتعرف على الأسباب التي جعلت والديك يتعاملان معك بهذه الطريقة، فإنه إن عرف السبب بطل العجب.
تحمل معاملتهما، وشق طريقك بنفسك، ولا تنس أن تخصص مبلغا من راتبك الشهري لهما من باب البر.
أتمنى أن تسلط عليهما بعض أقاربك من الذكور والإناث لنصحهما بطريقة حكيمة، لا تشعرهما أنك من طلب ذلك، وخاصة من قبل من لهم مكانة في نفسيهما ويتقبلان نصحهم، فمن الناس من جعلهم الله مفاتيح للخير مغاليق للشر.
ارسم أهداف حياتك وخطط لمستقبلك، وامض على بركة الله تعالى، وسوف تصل لمبتغاك -بإذن الله-، فما قدره الله سيكون، وإن وقفت الدنيا كلها في وجهك، وما عليك إلا أن تعمل بالأسباب الشرعية المتاحة.
يجب ألا تثنيك الضغوط عن الاستمرار والتميز في حياتك، فإن المعاناة في الحياة تكون سببا في خلق فرص متعددة وتوجد البدائل، وتجعل العقل ينتج أفكارا قد يكون بعضها إبداعيا.
تعامل مع والديك بما تحب أن يعاملوك به، ولا تيأس من تعدلهما، بل عليك أن تحاورهما بالحسنى، وتمتص أي صدمات من قبلهما.
تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسل الله تعالى أن يهديهما ويلهمهما رشدهما، ولا تيأس من روح الله، وأكثر من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
ما يحل بالإنسان من البلاء قد يكون بسبب ذنوب ارتكبها، ووسوف عن التوبة والاستغفار منها، يقول تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، ولذلك لا بد أن تقلب صفحات حياتك، فإن وجدت من ذلك شيئا وكلنا أصحاب ذنوب فبادر بالتوبة والاستغفار، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وإن لم تجد فأكثر من الاستغفار العام.
قد يكون البلاء اختبارا وامتحانا ورفعا للدرجات، كما قال ربنا سبحانه: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة ۖ وإلينا ترجعون).
الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
أكثر من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يصلح والديك، وأن يلهمهما رشدهما ويوفقهما للعدل بين أبنائهم، إنه على كل شيء قدير.