السؤال
السلام عليكم.
أشكركم من القلب على كل ما تبذلونه لنا من جهد كبير، وجعل الله ذلك في ميزان حسناتكم.
عمري 22 سنة، أحببت فتاة بقلبي وعقلي، تدرس معي في الكلية، خطبتها ولكن أهلي رفضوا؛ لأنني غير مؤهل للزواج، فلا أملك بيتا للزواج، وأمكث مع أخي بغرفة واحدة، ولا أملك المال لعقد القران وإتمام أمور الزواج، وأبحث عن وظيفة ولا أجد، فالعمل في بلادي يعتمد على الواسطة والمعارف، ضاقت أحوالي جدا، وحدثت الكثير من المشاكل بيني وبين أهلي من أجل هذه الفتاة.
الفتاة على خلق ودين، وتربيتها -بفضل الله- على التقى والحجاب، ولأهلها سمعة طيبة ومعروفة في المنطقة، فهم يشتهرون بالطيب والكرم، والفتاة لا يعيبها شيء أبدا، وألف رجل يتمناها زوجة له؛ لما تحمله من صبر الأم وطاعة الزوج.
تدهورت حالتي جدا لأنها تمسكت بي، وأنا متمسك بها، ولكن أبي يرفض زواجنا، بحجة أنني غير جاهز للزواج، وليس لدي عمل ثابت، فأنا أعمل بالأعمال الحرة، وليس لدي وظيفة، حاولت بكل جهد أن أجد عملا لي -الحمد لله- وجدت، واتفقت مع أبي على بيع قطعة الأرض التي لديه، وأن يسدد بأموال القطعة مهر الزواج ، ولم يبق غير البيت للسكن، واتفقت مع أمي من أجل البيت وهي لديها قطعه أرض بنتها بشق الأنفس، والديون إلى الآن، وبفضل الله تم إكمال البيت، وقالت لي أنا موافقة أن تأتي إلى بيتي أنت وزوجتك؛ مثلما هو بيتي فهو بيتك يا بني، فشكرتها وأنا أعلم أنه لا يكفي شكر الأم أبدا على مثل ذلك.
نعم أنا الآن أريد الفتاة وبشدة، فلم أر منها إلا الخير وحسن الأدب.
مشكلتي هي: تأتيني حالات أقول: لا أريد الزواج الآن؛ خوفا من أن لا أكون بقدر المسؤولية الواقعة على عاتقي، ولكن بعد فترة لحظات أقول لا يجب أن أتزوج، حالي حال باقي الشباب الآخرين لديهم عملهم الخاص، ومتزوجون، وهم بعيشة جيدة –والحمد لله-، والله يوفق من يبحث عن الزواج، بعدها أقول كلا، الزواج يحتاج إلى التفكير الكبير والوقت الكثير، وهو مسؤولية، ماذا إذا فصلت من عملك؟! ماذا إذا كبرت عائلتك؟! وبعدها أغير رأيي وأقول: لا، الزواج هو رضا الله، وهو يعلمني كيف أكون رجلا يعتمد عليه وأكون حالي!! إني في وضع محتار جدا.
هل أقدم على الزواج لأني بحاجة له جدا، وأرى في نفسي أني كلي ثقة بأني سوف أكون عائلة، أم أبتعد عن فكرة الزواج لأني بهذا العمر 22 سنة، وأعتقد أني مستعجل عليه، ويجب أن أكون بعمر الـ 30 على الأقل؟
المشكلة أني على تواصل مع الفتاة، والله شاهد على لساني لم نقل ولا نتكلم بشيء من الحرام، ومستعد أن أقسم على ذلك، بل إن أغلب كلامنا هو عن أبي وسبب وقوفه ضد زواجي، وأيضا الصعوبات التي أمر بها ولكن الحمد لله فهذا لم يقس قلبي على أهلي أبدا، هذا ما نتكلم به فقط، ولم نتكلم بالحرام أبدا.
المشكلة أني عندما أكون معها أفكر في أني يجب أن أكون رجلا يتحمل المسؤولية ويتزوج ويكون عائلة طيبة بإذن الله، ولكن عندما ننقطع فترة عن بعضنا أقول لا يجب أن تمهل؛ حتى لا أقع في فخ الزواج ولا أستطيع الخروج منه، وبهذا تتعب البنت معي.
لا أدري ماذا أقول لكم! لكني بأمس الحاجة لكم. شكرا لكم من القلب.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رضوان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا يخفاك –أخي العزيز– دعوة النبي صلى الله عليه وسلم الشباب إلى الزواج شريطة أن تتوفر لهم الباءة، وهي القدرة المالية والجسمية حيث ورد في الصحيح قوله : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج...) والزواج يختلف بحسب الظروف من الاستحباب إلى الوجوب بحسب حاجة الإنسان إليه وضرورته، وخشية الفتنة على نفسه، وتوفر الباءة لديه.
فالزواج من باب الوسائل التي لها أحكام الغايات والمقاصد، فالوسيلة إلى الواجب واجبة، وإلى المستحب مستحبة، وكذا يكون محرما إذا كان وسيلة إليه أو مكروها إذا كان وسيلة إليه كذلك، وذلك عند عدم وجود الشروط السابقة والمذكورة؛ مما يترتب عليه مفاسد أكبر.
وكونك –أخي الفاضل– محتاجا إلى الزواج، وتعمل في الأعمال الحرة، وقد توفرت لديك البنت المناسبة، ودعم الأم الصالحة –حفظها الله– فكلها أسباب، وإن لم تحقق كامل الباءة فقد حققت أكثرها بفضل الله عليك، ولا يخفى عليك فضل الزواج المبكر لمصلحة حفظ الدين والعرض وتحصيل العفة والستر والاستقرار النفسي ونحوه، وكثيرا ما يدفع الزواج المبكر صاحبه إلى مزيد من الاجتهاد في التحصيل الدراسي والعمل والتوفيق الإلهي، كما قال تعالى : (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) وقد صح في الحديث: (ثلاثة حق على الله عونهم... وذكر منهم الشاب يريد العفاف) فإذا آنست من نفسك القدرة على الزواج والنفقة فيه في حدود الكفاف، واستعداد الزوجة لذلك؛ فالذي أنصحك به المبادرة إلى هذا الزواج، مع ضرورة السعي والاجتهاد في رفع مستواك المادي ما أمكن، وأما إذا غلب على ظنك في ظل الرؤية الواقعية عدم توفر الباءة من مسكن أو نفقة مناسبة، وعدم تحمل الزوجة مع عامل الزمن؛ فالذي أوصيك به هو ضرورة الصبر والتمهل حتى توفر الباءة، لاسيما وأنك ما زلت شابا في مقتبل العمر، فلا ينبغي لك الاستعجال والتهور لأثره السيئ على حاضرك ومستقبلك.
والخلاصة: أن الأمر عائد إلى قدراتك المادية ابتداء، حيث علق الحديث الأمر بالزواج على (الباءة)، وهي توفر القدرة المادية والجسدية ولو في حدودها المقبولة، وذلك بتوفر السكن والنفقة ولو متواضعة تليق بالزوجة ويمكنها الصبر عليها، وفقك الله وأعانك.
أوصيك –حفظك الله– بضرورة اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، والإكثار من الذكر، والاجتهاد في تحصيل الدراسة والمعيشة ما أمكن، مع ضرورة حسن الظن بالله وتعزيز الثقة بالنفس (فإن مع العسر يسرا*إن مع العسر يسرا) وفي الحديث : (فإن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا) مع استشعار قوله تعالى : (ومن يتق الله يجعل له مخرجا*ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا) فالزم –حفظك الله ووفقك– عبادات العفة والصبر، وترك التوسع في التواصل مع الفتاة لغير ضرورة أو حاجة، مع ضرورة الحذر من التواصل العاطفي لما يخالف شرع الله ويتبعه غالبا من ملل أو فتور بين المتحابين عادة.
أسأل الله أن يفرج همك، وينيلك سؤلك، ويرزقك الزوجة الصالحة، ويختار لك ما فيه الخير، ويسهل أمرك، ويشرح للخير صدرك، والله الموفق والمستعان.