السؤال
السلام عليكم
أنا فتاة عمري 19 سنة، أعاني من الوسواس والخوف والقلق، وأتوهم الأمراض، حتى انتهى بي المطاف لفوبيا الموت.
عندما كنت صغيرة كانت تراودني أشياء تافهة، وكنت أعطيها وقتا قيما وكبيرا، لكن سرعان ما كانت تذهب عني، وشيئا فشيئا كبرت معي، ولم أكن أهتم بها، وكنت أحتقرها لأنني كنت مشغولة بالكتابة والدراسة، وتعددت الوساوس، فمثلا كان لدي رهاب شديد من الموت، فمثلا لو أن شخصا عزيزا علي ناداني أعتقد أنه يحتضر أو يموت، وأشياء أخرى ساذجة لا داعي لذكرها.
عند قراءتي للقرآن يأتيني تفكير لا يخطر على بال بشر، لست متحكمة فيه، ودائما أقاومه، وأحاول صرف انتباهي، وكلما كانت تأتيني العادة الشهرية كان يصاحبها آلام بالثدي، فكنت أتوهم أنه سرطان الثدي، لكنني لم أزر أي طبيب، -والحمد لله- ذهبت عني الآلام نهائيا بعد مدة طويلة.
عندما كان عمري 18 سنة، وعند اقتراب موعد اختبار البكالوريا انتابتني نوبة هلع، صاحبها وخز في الجهة اليسرى جهة القلب، وعند زيارتي لطبيبين أكدا لي أنها بسبب التوتر والضغط قبل الامتحان، ومن هنا انقلبت حياتي رأسا على عقب، وأصبحت طيلة اليوم أفكر في الموت، وخائفة, قلقة, مع تسارع في نبضات القلب، (ففي رمضان كنت دائما مع الإفطار أشعر أن قلبي ينبض بقوة وبسرعة، مع الشعور بالغمة والضيقة، ومع العلم أن لدي إمساك شديد)، زرت الطبيب مجددا، وأعطاني دواء يعدل من ضربات القلب، ويزيل الضيقة، كما أنه أكد لي مجددا أنه خوف وقلق لا أكثر، وأنني فتاة قلقة، وبسبب الضيق والغمة، وبسبب ضعف وزني، وعندما زالت عني هذه الحالة راودتني آلام القلب مجددا لكن بهيئة مختلفة (كانت وخزا خفيفا فقط في البداية).
بمجرد أن أخبرتني أختي بأعراض أمراض القلب، عاودتني تلك الأعراض، آلام باليد اليسرى والظهر، قابلت طبيب القلب، وقام بتشخيصي وعمل جميع الفحوصات اللازمة، وقمت بتحاليل الغدة الدرقية وكانت النتيجة جيدة وسليمة، لكنني ما زلت أعاني سرعة ضربات القلب خاصة عند الاستيقاظ من النوم.
عند قياس ضغط الدم يكون بين: 80.84.79، 90 أو 95، وكنت أتجاهل ذلك، بينما الآن أصبحت أخاف، (صراحة عندما أهتم بسرعة نبضات القلب، وأفكر بها طول اليوم أحس أنها تنبض بسرعة، لكنني أصبحت أتفادى قياسها خوفا من أن أجدها مرتفعة، وهنا أبدأ بالوسواس)، كما أنها تزيد عند تناول الطعام.
أي شيء أفكر به قد يصيبني بألم في جسدي، يتهيأ جسمي للمرض، وتبدأ الآلام في جسمي كله، والمهم أنه أصبح شغلي الشاغل وتفكيري كله منصبا على فوبيا الموت، وأحيانا أشعر بالتحسن عندما أخرج مع صديقاتي، وأحيانا لا أشعر بالضيق، لأنني دائما متشائمة، وتزيد علي هذه الوساوس في الإجازات، وعند بداية الدراسة تخف.
كما أنني قرأت عن السحر وأعراضه، وبدأت أوسوس به، فاستمعت للرقية الشرعية، فبدأت أطرافي تتحرك، وبعدها جاءني راق، وقال أنني أتوهم، ثم بدأت بقراءة كتاب لا تحزن، وكان له تأثير فعال في حياتي، شعرت بتحسن كبير عندما قرأته، وطبقت نصائحكم كالرياضة والتنفس البطيء، وعندما أجريت تمرين البلانك شعرت أن هناك اختلال في نبضاته، مع العلم أن عائلة أمي تعاني من الوساوس والأمراض الوهمية، فما تشخيصكم لحالتي؟
مع الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sara حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية.
رسالتك التفصيلية واضحة بذاتها، وحقيقة لا تحتاج لجهد كبير من جانبنا لنصل إلى التشخيص، فمن الواضح جدا أن قلق المخاوف يهيمن عليك، ولديك أعراض نفسية واضحة، ولديك أعراض جسدية، لديك ما يمكن أن نسميه أعراض فكرية تشير إلى وجود قلق المخاوف ذي الطابع الوسواسي.
وقلق المخاوف ذو الطابع الوسواسي منتشر جدا، وكثير خاصة في مثل عمرك، وفي معظم الأحيان يكون أمرا مرحليا ومؤقتا.
بعض الناس بطبيعتهم لديهم القابلية للهشاشة النفسية؛ مما يسبب لهم القلق والتوتر والخوف والوسوسة، وسوء التأويل في التفكير، والناتج السلوكي عند الإنسان يكون سببه التفاعل بين مكوناته الجينية والأحداث الحياتية، أي البيئة التي يعيش فيها.
بيئتك -الحمد لله- طيبة، كل الذي بك أعتقد أنه نوع من القابلية الجينية أو الوراثية أو المتعلقة بشخصيتك لقلق المخاوف الوسواسي، ولا تنزعجي أبدا حين أقول لك أنها جينية أو وراثية، هذا لا يعني أنها سوف تظل معك طول حياتك، لا، القلق والخوف والوساوس طاقات إنسانية، وهي طاقات حين تكون بدرجة معقولة تكون إيجابية جدا، لأن الوسواس يعلمك الانضباط، والخوف يعلمك المحاذير، والقلق يعلمك الإنتاجية، لكن حين تخرج عن النطاق وتزداد هنا يحدث الناتج العكسي.
والإنسان يتطور بطبعه وينضج ويتفاعل مع ظرفه الحياتي بصورة تكون فيها سلبية، لكن أيضا الإيجابيات تأتي.
فأرجو أن تطمئني -أيتها الفاضلة الكريمة- وقطعا العلاقة بين النفس والجسد علاقة وثيقة، لذا تظهر أعراض نفسوجسدية، مثلا تسارع ضربات القلب ما سببه؟ السبب هو أن القلق والتوتر الداخلي يؤدي إلى زيادة في إفراز مادة تسمى (أدرينالين)، وهذه المادة تؤدي إلى تسارع في ضربات القلب، لأن القلب أيضا يريد أن يحمي الجسد، وذلك من خلال ضخ كميات أكبر من الدم، وتشبيع العضلات وجميع أعضاء الجسم بالأكسجين، إذا العملية عملية دفاعية بحتة.
ما تحسين به من آلام في الصدر وضيق في النفس في بعض الأحيان: هذا مجرد انقباض لعضلات القفص الصدري ناتجة من التوتر النفسي وليس أكثر من ذلك، وبالنسبة لما يحدث لك بعد الأكل: هذا ناتج من زيادة في إفراز الأنسولين، لهذا يحدث لبعض الناس، كرد فعل لازدياد السكر في الدم، وهي ظاهرة فسيولوجية، وقد يلعب الجانب النفسي فيها دورا.
أيتها الفاضلة الكريمة: العلاج هو أن تتجاهلي هذه الأعراض، هي مزعجة ولكنها ليست خطيرة، سيري على برامجك الرياضية والاسترخائية والترفيهية، اجعلي لحياتك معنى، بأن تكوني إيجابية في الفكر والأفعال والمشاعر والسلوك، وأن تخططي لمستقبلك بصورة واضحة جدا.
حسن إدارة الوقت وبناء شبكة اجتماعية راشدة وفاعلة، والانخراط في الأنشطة الأسرية هي من أفضل مكونات الصحية النفسية، فاندفعي في هذا الاتجاه.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أزف لك بشرى كبيرة، وهي أنه الآن توجد أدوية سليمة جدا، تساعد بنسبة ستين إلى سبعين بالمائة في علاج حالتك، أنت محتاجة لعقار مثل السبرالكس والذي يسمى علميا باسم (استالوبرام)، ليس إدمانيا، وليس له مضار، إن ذهبت إلى طبيب نفسي فهذا أمر جيد، وإن لم تتمكني شاوري أسرتك ويمكن أن تتحصلي على الدواء إما من الصيدلية أو عن طريق طبيب الأسرة، والجرعة هي خمسة مليجرام يوميا لمدة عشرة أيام، ثم تجعليها عشرة مليجرام يوميا لمدة شهر، ثم عشرين مليجراما لمدة ثلاثة أشهر، ثم عشرة مليجرام يوميا لمدة شهرين، ثم خمسة مليجرام يوميا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، هذه هي الطريقة الصحيحة لتناول هذا الدواء، فهناك جرعة بداية، وجرعة علاجية، ثم جرعة الوقاية، ثم جرعة التوقف التدريجي من الدواء، بهذه الكيفية يؤدي الدواء فعاليته المطلوبة، وفي ذات الوقت نتجنب تماما أي آثار أو تبعات جانبية سلبية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.