السؤال
السلام عليكم.
عمري 24 سنة، تعلقت بأحد زملائي في سن المراهقة، فكنت أتابع أخباره، كيف يعيش؟ وماذا يصنع؟ وكيف يذاكر؟ وكنت أراقب وألاحظ كل شيء عنه لدرجة تمنيت لو أني أحد أفراد أسرته، أو عائلته، أو جاره، لأكون قريبا منه.
ومع مرور السنوات تحول هذا التعلق إلى منافسة، ومن ثم إلى غيرة، كلما فشلت في تحقيق نجاح تحول كل تفكيري إلى مقارنة نفسي به، حتى أصبحت أنزعج من الأمور الجيدة التي تحدث له من نجاح أو عمل أو زواج، أشعر أنه يسبقني دائما، إلا أني لم أكرهه يوما، فهو شخص على خلق محمود بين الناس، إلا عندما أكون في مجلس وتذكر سيرته بخير أو ثناء أشعر بضيق في صدري من كلامهم، وكلما أشاهد له نجاحا أشعر وكأنه فشل لي.
حاولت جاهدا أن أشغل نفسي فلم أستطع، فما العمل؟ وكيف أتخلص من هذا المستنقع؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلقد اطلعت على رسالتك -أخي الفاضل- وإن العلاج الفعال للخروج من مشكلتك هو باختصار يكمن في الرضى، تأمل معي قول الله تعالى :{ أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون } [ الزخرف32 ].
إن الرضا بما قسمه الله لك، مع اليقين المطلق أن الله ليس لديه إلا الخير، قد يمسك عنك أشياء ترغبها، ولكن اعلم أن في ذلك الحكمة والخير لك، فأحيانا يكون المنع هو عين العطاء، ولكن عقولنا البشرية القاصرة لا تدرك أبعاد ما اختاره الله لنا.
فبالرضا يطمئن القلب ويسكن، ويتطهر من الغل والحسد والغيرة، ويؤمن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
بالرضا يمتلأ القلب سعادة بما أصاب الآخرين من النعم، وتتبدل نظرتك إليهم فتصبح تنظر إليها بعين الغبطة لا بعين الحسد.
ولكنك إذا تساءلت كيف أصل إلى الرضا؟
فأقول عليك بهذه الأشياء الأربعة:
1- الإكثار من الذكر وقراءة القرآن قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) فالذكر يولد في القلب الأنس والمحبة لله سبحانه وتعالى، فيستحي العبد من ربه ويستسلم لكل ما قضاه.
2- المحافظة على الصلوات وحبذا أن تكون في جماعة، فالصلاة تطهر القلب من أمراض الغيرة والحسد، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) رواه البخاري.
3- التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالبر والطاعات.
4- النظر إلى من هم أقل منك، لتقدر مدى النعم التي أنت غارق بها من حيث لا تدري.
أما علاج الغيرة التي تشعر بها تجاه ذلك الصديق القديم فإنني أنصحك بست خطوات:
1- قم بتنمية الثقة بالله ثم بالنفس لديك، فالغيرة دليل واضح على انعدام الثقة بالنفس، أو ضعفها، وبإمكانك أن تنمي ثقتك بنفسك من خلال العمل على تطوير مهاراتك، والتفوق في مجال تخصصك وتعلم اللغات، أو مهارات الحاسوب، وحضور دورات ومحاضرات حول تطوير الذات وتنمية الثقة بالنفس.
2- ركز على الهوايات المحببة لديك، واعمل على تنميتها، كالقراءة والكتابة والتأليف، والسباحة، أو ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة، ولا سيما المشي فلها أثر فعال في تفريغ الشحنات السلبية، وتجديد نشاط الدماغ، وتنشيط الجسم بشكل عام.
3- عليك أن تقتنع من أعماقك أن الغيرة لها آثار هدامة على شخصيتك، فهي تؤثر عليك وعلى الطرف الآخر على حد سواء، وتعيق حركتك عن الإنجاز والإبداع، وتشوش ذهنك، وتعطل قدراتك وإمكانياتك فتعجز عن تحقيق النجاح فيما تصبو إليه.
4- ثق بقدراتك وإمكانياتك، وأنك تملك من القوة ما يجعلك قادر على الابتعاد عن الشعور بالغيرة، وصرف تفكيرك إلى ما فيه خيرك في الدنيا والآخرة.
5- قم بضبط المشاعر السلبية والقدرة على السيطرة على النفس، والتحكم في ذلك من خلال صرف التفكير عن مشاعر الغيرة، أو الشعور بالضيق من أي إنجاز يحققه، بل على العكس بادر على تهنئته وإظهار السرور له، وأرسل إلى عقلك الباطن رسائل إيجابية أنك تسعد بنجاحه وإنجازاته، وأنك فخور لأنك صديقه.
6- ادع له بظهر الغيب بالخير، فالدعاء كفيل بتطهير قلبك من ناحية، ومن ناحية ثانية سيعطيك الله مثل ما دعوت له به، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الملك: ولك بمثل صحيح مسلم.
أسأل الله أن يرزقك نفسا راضية مطمئنة، وقلبا ذاكرا شاكرا اللهم آمين.