السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أنا شاب أحببت فتاة درست معي في الثانوية، وهي أكبر مني بسنتين، قلت لها أنني أريد الزواج بها، في البداية أعطتني أملا، واليوم قالت لي أن خطبتها قريبة، وأن هناك شاب سيخطبها، وطلبت مني أن أنساها. أنا في صدمة كبيرة ماذا أفعل؟
وشكرا جزيلا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرؤوف .. حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
- بارك الله فيك -أخي العزيز- وأشكر لك تواصلك مع الموقع، سائلا الله تعالى لك أن يفرج همك، وييسر أمرك، ويشرح صدرك، ويرزقك الزوجة الصالحة والحياة السعيدة.
- بخصوص ترك الفتاة التي تعلق قلبك بها لك، وانتقالها إلى خطبة رجل آخر، ورضاها به، ووصيتها لك بنسيانها، والانتقال إلى خطبة غيرها، وشعورك إزاء ذلك بالصدمة، فإني أتفهم لمشكلتك وأتعاطف مع مشاعرك وأحاسيسك، وأسأل الله أن يزيل عنك هذا الألم ويعوضك خيرا مما أخذ منك.
- تذكر -حفظك الله- أنه ليس كل من أحببناه يستحق هذه المحبة في الواقع، والواقع شاهد على ذلك، وإذا لم تكن الفتاة راغبة فيك فالواجب عليك ترك الرغبة فيها، إذ لا يصلح أن يكون الحب من طرف واحد؛ لأن الزواج عملية مشتركة بين قلبين وطرفين، وذلك مقتضى الرجولة والمروءة، قال الشافعي رحمه الله:
"إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا ** فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة ** وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبه ** ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة ** فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله ** ويلقاه من بعد المحبة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده ** ويظهر سرا كان بالأمس في الخفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها ** صديق صدوق صادق الوعد منصفا"
- ولا شك أن مما يسهم في تخفيف هذا الهم والألم، تذكر أن الله طبع هذه الحياة الدنيا على الابتلاء، وأثاب الصابرين على البلاء المؤمنين بالقدر والراضين بالقضاء بعظيم الثواب والجزاء {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}.
- كما أن تركها لك لم يكن بعد خطبتك لها فيما يظهر من السؤال، الأمر الذي يخفف من انزعاجك وألمك، فمن الجميل أنها لم تطلب تركك وهجرك بعد أن صار بينكما عقد أو زواج شرعي أو أولاد، حيث إن آلام وأحزان الترك قبل العقد والزواج والأبناء أسهل بكثير، فمن الخير أن يكون قبل الاقتران والتعلق الظاهر والزائد نفسيا وواقعيا وعمليا، فهذا من رحمة الله بك ونعمته عليك، ولعل الله أراد بك خيرا، لا سيما وأنها تكبرك بعامين، حيث من الأفضل أن تصغر الزوجة زوجها؛ لما في ذلك من مصالح لا تخفى.
فاحمد الله تعالى واشكره على نعمائه، واصبر على بلائه وارض بقضائه، وأحسن الظن بقدره، قال تعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، فما يدريك لعل الله علم منك خيرا فأراد بك خيرا في دينك ودنياك، وفي عاجل أمرك أو آجله، وفي الحديث: ((واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).
- ولهذا فإن المسلم العاقل يجعل خالص تعلق قلبه بربه سبحانه وتعالى، فإن الله تعالى يغار أن يتعلق قلب عبده بغيره كتعلقه به سبحانه أو أشد، كما يفعل بعض أصحاب القلوب الغافلة والفارغة والله المستعان، ولذلك ورد في الحديث: ((من تعلق بشيء وكل به)) أي يكله ربه إلى من تعلق به ويتخلى عنه جل جلاله، وفي رواية أخرى ((من تعلق بشيء عذب به))، فالمسلم العاقل مهما أحب شخصا فينبغي أن يعتدل في محبته، وفي الأثر: ((أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما))؛ ذلك أن ((قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء)) كما في الصحيح، وقال الشاعر: "ما سمي الإنسان إلا لنسيه ** ولا القلب إلا أنه يتقلب".
- أحسن الظن بربك وعزز الثقة بنفسك، وتحل بالأمل والتفاؤل والطموح، وأقبل على دراستك وعملك، واحرص على توفر معايير الدين والخلق والأمانة، كما دلت عليه نصوص الشرع في اختيار شريكة حياتك.
- ومما يحقق لك العون الإلهي والاطمئنان النفسي أيضا، لزوم ذكر الله تعالى وطاعته وقراءة القرآن وتعميق الإيمان، ولزوم الصحبة الطيبة، وطلب العلم النافع والعمل الصالح، واللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، وأن يلهمك الرشاد والصواب والتوفيق والسداد، وأن يرزقك الصبر والثبات والأجر والرضا والقناعة والشكر والزوجة الصالحة والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.
أسأل الله لك ذلك، والله الموفق والمستعان.