السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا شاب، عمري 33 سنة، أعزب، ميسور الحال إلى حد ما، مقيم بدولة عربية أخرى للعمل، وأسافر لبلدي في إجازة كل سنة.
أشعر بضيق في الصدر، وحالة حزن وملل من الحياة، لم أعد أشعر بمتعة ولا طعم أي شيء في حياتي مهما كان، تعودت ألا أحكي لأحد ما يدور ببالي عن أي شيء يخصني حتى الأهل، وذلك لأني معظم الوقت أعيش وحدي، خاصة وأنا أسافر منذ أكثر من 9 سنوات.
لا أفضل أن أختلط بالناس؛ لأني أرى بأن منهم المنافق والمتسلط والكاذب المخادع إلا من رحم الله، وذلك في أي نطاق، في العمل، أو الأصدقاء، أو الجيران، أو الأقارب، حتى إذا تعاملت مع أحد أكون متحفظا جدا ولا أندمج بدرجة كبيرة، مما ولد عند البعض أني أتعالى وأتكبر، ومع ذلك أشعر بالارتياح لبعض الناس، وتصير علاقة طيبة، ولكني أيضا متحفظ معهم في الأمور الشخصية.
للآسف لم أتزوج حتى الآن، ولم أوفق عند رؤية أكثر من 8 بنات، وأهلي لا يعرفون الكثير من الناس حتى أختار، لدرجة أني وصلت لمرحلة التبلد وعدم الحماسة والاهتمام بالبحث، خاصة في وقت الانفتاح الهائل الذي نعاني منه، ومن الصعب أن أجد منهن الملتزمة والمستقيمة.
للأسف وصلت لمرحلة التقصير في العبادات والاختلاط بالنساء، مما سبب لي حالة شك في أي بنت لمجرد أني أعرف أنها تكلمت مع زميل لها في الجامعة أو العمل، وأعتقد أن كل هذه الأسباب وأيضا السفر والإحساس بالغربة هو سبب الضيق، ولا أعرف كيف أكون في حالة هدوء نفسي واتزان في علاقتي بالناس حتى أشعر بطعم للحياة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Osama حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- بارك الله في – أخي العزيز – وأشكر لك تواصلك مع الموقع سائلا الله تعالى أن يفرج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك ويرزقك الزوجة الصالحة والحياة السعيدة.
- لاشك أن للغربة عن الأهل والوطن آثارها السلبية والسيئة على النفس وعدم استقرارها والشعور بالقلق والتوتر والاضطراب؛ ذلك أن حب الوطن أمر فطري وطبيعي, حتى جعل الشرع التغريب عن الوطن عقوبة للزاني غير المحصن (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام) كما وهي عقوبة المحاربين قطاع الطرق (أو ينفوا من الأرض), والهجرة رغم وجوبها على المستضعفين في الدين كانت صعبة على الرسول وأصحابه الكرام, كما شرع القتال في سبيل الأرض والدين لعظيم محبتهما والتعلق بهما, كما صح في الحديث: (من قتل دون دينه.. دون ماله.. دون أرضه فهو شهيد).
- ولا يخفاك أن الله تعالى قد طبع الحياة الدنيا على الابتلاء, إلا أن الصبر على البلاء والشكر للنعماء والإيمان بالقدر والرضا بالقضاء واستحضار الثواب والجزاء وحسن الظن بالله تعالى وتعزيز الثقة بالنفس والتحلي بالأمل والإصرار وقوة الإرادة والتفاؤل والطموح والمضي قدما لمواجهة تحديات وأعباء الحياة, مما يسهم في تحصيل الرضا والطمأنينة والسعادة بإذن الله تعالى.
- ولذلك فإني أنصحك للتخفيف من آلام الغربة ووحشتها وهمومها وأحزانها بالعمل باستغلال الوقت والفراغ فيما يعود عليك بالمنفعة والفائدة, وذلك بتنمية الإيمان بملازمة الذكر والطاعة وقراءة القرآن, والتركيز على دراستك ووظيفتك, وتنمية مواهبك وتوسيع دائرة ثقافتك واطلاعك بقراءة الكتب المفيدة ومتابعة الدروس والمحاضرات والبرامج النافعة.
إن الشباب والفراغ والجدة ** مفسدة للمرء أي مفسدة
ولذلك من الطبيعي أن يشعر المسلم الصالح مثلك بعدم الهدوء والاستقرار النفسي وعدم الشعور بلذة وطعم الحياة حال تقصيره في العبادات, أو تساهله في الاختلاط بالفتيات الأجنبيات؛ ذلك لخوفه من ربه وحيائه منه ومحبته له, وحرصه على مرضاته وثوابه, وخشيته من غضبه وعقابه, الأمر الذي يستلزم بعض البذل والتضحية والمجاهدة للنفس (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)، (والذي جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا إن الله لمع المحسنين).
- لزوم الصحبة الطيبة والصالحة, والتي تعينك على تحقيق مصالحك, وتذكرك إذا نسيت, وتعلمك إذا جهلت, وتنبهك إذا غفلت, وهي خير عدة لأوقات الرخاء والشدة, وقد صح في الحديث: (المرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل), ومن الطبيعي أن تشعر بالضيق عند غياب الصحبة والانفراد بنفسك ؛ إذ الإنسان مدني بطبعه, بخلاف الوحوش في البرية.
- كما وأوصيك بالمبادرة إلى الزواج شريطة الحرص على اختيار المعايير الصحيحة في الزوجة, قال تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله), وقد صح في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وقال أيضا: (تنكح المرأة لأربع : لمالها ولجمالها وحسبها ودينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك).
- وعليه, فلا أفضل بعد تحقيق تقوى الله وطاعته وذكره في سبيل تحصيل سعادة الدنيا والآخرة من الزواج شريطة الحرص على ما سبق من معايير الدين والخلق والأمانة والجمال الذي يعينك على غض البصر وإحصان الفرج والعفة, ثم الحسب والمال إذا أمكن, ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) وفي الحديث: (فليتزوج, فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج).
- وبصدد ذلك, فإني أنصحك بعدم التردد وعدم اتباع الوساوس والأوهام والمبالغة في الشروط غير الواقعية، سواء في اختيار الصحبة أو الزوجة حفظك الله وعافاك.
- أوصيك – أخي العزيز – باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء, كيف لا؟ وهو القائل: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، كما وللدعاء أثره الطيب والواضح في الشعور بالراحة والأمان والاطمئنان (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
- أسأل الله أن يفرج همك ويؤنسك في وحدتك ووحشتك, ويزيل عنك الشعور بالضيق والحزن ويرزقك الزوجة الصالحة والصحبة الطيبة والأخلاق الكريمة وسعادة الدنيا والآخرة.