أصبحت لا أحب الحياة لظروفي البائسة، فما توجيهكم؟

0 204

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه أول مشاركة لي معكم، لكني كنت دائما أقرأ نصائحكم للآخرين، وهذا ما شجعني، خصوصا وقد تفاقمت حالتي النفسية مؤخرا.

سوف ألخص حياتي في بضع سطور:
أنا فتاة من عائلة فقيرة والحمد لله، كبرت في جو مليء بالمشاكل والحرمان، أبي وأمي تزوجا زواجا تقليديا، وللأسف لم يحبا بعضهما البعض، والدي في أول سنين حياتي كان يعيش بعيدا عنا لظروف عمله، وكان يبعث القليل من المال، لدرجة أحيانا كنا أنا وأمي وإخوتي لا نجد ما نأكل، بعد مرور سنين التحقنا به لكن الحياة لم تكن جميلة كما كنا نتوقع، فأبي إنسان غير مسؤول لدرجة كافية.

حاولت أن أدرس لكن بفعل المشاكل وعدم الاستقرار لم أستطع أن أكمل دراستي بعد الثانوية العامة، فكيف لمراهقة أن تعطي وقتا للدراسة والمشاكل فوق رأسها ليل نهار، أبي وأمي كثيرا الشجار أمام أعيننا، عشت في بيئة غير صالحة أبي لم يهتم يوما لشراء كتبي المدرسية، المهم بعد الثانوية قررت أن اشتغل لكي أساعد نفسي وعائلتي، اشتغلت لمدة وفي هذه المدة بدأت معاناتي مع مرضي النفسي، قلق وخوف ورعشة.

في البداية كان شيئا طفيفا كنت أستطيع التعايش معه، كنت أحيانا أصلي وأقترب من الله، وأحيانا أقطع صلاتي، أتمنى من ربي أن يسامحني!

تعرفت على شاب وتزوجت من أجل الهروب من مشاكل عائلتي، لكن للأسف وجدت نفسي مع شخص غير رحيم ورؤوف بي، كان يعنفني كثيرا، فقررت الانفصال وحاولت أن أغير حياتي لكن مشكلتي الآن والتي أتمنى المساعدة منكم لكي أستطيع أن استرجع حبي للحياة هي أنه بعد طلاقي وعودتي لأسرتي أحس وكأنني إنسانة فاشلة في كل شيء، في الزواج وفي العمل لدرجة أنني في وقت من حياتي بدأت تراودني أفكار غريبة أتمنى من الله أن يسامحني، بدأت أترك الصلاة نهائيا، وبدأت في لوم الله على هذا الحظ السيء، كنت أقول لماذا خلقت في هذه العائلة التي دمرتني نفسيا، بسببهم لم أكمل دراستي، وبسببهم تزوجت من غير أن أفكر من أجل الهروب، وبسببهم أنا أعيش العذاب.

كنت أقول أشياء أندم عليها الآن، كنت أقول لن أحمد الله؛ لأنه لم يعطني شيئا جميلا في هذه الحياة، بل حياتي مند بدايتها بؤس فلماذا أحمده، وابتعدت كثيرا من الله، تركت الصلاة والأذكار، كنت غاضبة من نفسي ومن كل شيء، أنا الآن أمر بحالة اكتئاب، أصبحت أحب الوحدة وداخلي حزن وهم وغم، أرى حياتي ليس لها أي مستقبل، أعيش في عذاب ونادمة على خطئي في حق ربي.

أريد أن أعرف إذا في إمكاني من طلب المغفرة من الله، وهل من المعقول أن يسامحني ويغفر لي؟ لأني متأكدة إن لم يغفر لي سوف تستمر حياتي بائسة وحتى آخرتي، أريد أن أعرف كيف أكسب حب الله؟ وكيف أجعله يغفر لي؟ وكيف أستطيع أن أخرج من حالة الاكتئاب وأن اكف عن مقارنة حياتي البائسة بحياة كل من نجح في حياته؟ لأن هذا يزيد من كآبتي، فدائما ما أجدني أقول لماذا تلك الفتاة لها والدان أغنياء ومتفاهمان؟ ولماذا أنا خلقت لكي أعيش المعاناة!

والمشكل الأخير هو كيف أستطيع أن أعزز من ثقتي في نفسي، وأتعالج من الخوف والاكتئاب والتوتر الذي ترافقه رعشة اليدين.

أشكركم مقدما، وجزاكم الله خيرا على هذا الموقع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك أختنا الكريمة وردا على استشارتك أقول:

هذه الحياة دار ابتلاء وليست دار نعيم، فكل الناس مبتلون ليعلم الله الشاكر من الصابر، وصدق -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن).

الكافر قد ينعمه الله في هذه الحياة لكنه في الآخرة مرده إلى عذاب شديد كما قال تعالى: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم ۚ وبئس المهاد)، وقال عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد).

لله الحكمة البالغة في توزيع أرزاق العباد، فمنهم من يجعله الله غنيا، ومنهم من يجعله فقيرا، يقول تعالى: (أهم يقسمون رحمت ربك ۚ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ۚ ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ۗ ورحمت ربك خير مما يجمعون).

عليك أن تنظري إلى من هم أدنى منك وألا تنظري إلى منهم أعلى منك؛ لأنك لو نظرت إلى الأعلى تسخطت، وأما إن نظرت لمن هو أدنى منك عرفت نعمة الله عليك، فشكرت الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله).

ينبغي عليك أن تكني لوالدك كل الحب والود، فهو سبب في وجودك في هذه الحياة، ولقد قدم لكم الكثير وإن كان في نظرك مقصرا، ومن شكر النعم أن تشكري والدك على ما قدمه، ولا يشكر الله من لا يشكر الناس.

التسخط على أقدار الله صفة مذمومة ولا يجوز للمسلم أن يتسخط على الله أو ينكر نعمه الكثيرة، يقول الله تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ۗ إن الله لغفور رحيم)، ولو أنك شكرت لزادك الله من فضله ولدفع عنك ما تكرهين، يقول سبحانه: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ۖ ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).

عدم توفقك في زوج صالح ناتج عن تسرعك وعدم الحرص والنظر في صفات شريك الحياة، وأهم تلك الصفات الدين والخلق كما أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها وإن كرهها سرحها بإحسان.

لا تتسخطي على الله وأنت من سعى لذلك الزواج وأنت من خالف التوجيهات النبوية ولأنك لم تريدي بالزواج سوى الهروب من المشاكل كما قلت ولذلك لم توفقي.

جميع تلك المشاكل التي كنت تعانين منها كان المخرج منها الالتجاء إلى الله تعالى وتوثيق الصلة به والاجتهاد في تقوية إيمانك وإيمان والديك، يقول الله تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، فانظري كيف ربط الله الحياة الطيبة بالإيمان والعمل الصالح.

قطعك للصلاة كان خطأ فادحا لأن ذلك يفاقم مشاكلك ولا يحلها ومهما حصل منك فإن باب التوبة لا يزال مفتوحا، فعليك أن تتوبي توبة نصوحا، وتكثري من الاستغفار، وتندمي على ما فعلت، وتعزمي على ألا تعودي مرة أخرى لما كنت عليه من التسخط على الله تعالى.

ينبغي أن ترضي بقضاء الله وقدره وألا تتسخطي؛ لأن ذلك من أركان الإيمان بالله، ففي الحديث: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فأكثر ما حل بك ناتج عن التسخط وعدم الرضا بما قدره الله وذلك أن الجزاء من جنس العمل.

باب التوبة لا يزال مفتوحا، فمن تاب تاب الله عليه مهما كانت الذنوب، يقول تعالى: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علىٰ أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ۚ إن الله يغفر الذنوب جميعا ۚ إنه هو الغفور الرحيم)، وقال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلٰها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ۚ ومن يفعل ذٰلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولٰئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ۗ وكان الله غفورا رحيما).

يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها)، ويقول: (إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر)، أي ما لم تبلغ روحه حلقومه.

كوني على يقين أن الله سيقبل توبتك وقد يبدل سيئاتك حسنات فلا تيأسي من رحمة الله.

إن أردت أن تتغير حياتك وأن تحسي بطعم الحياة فارضي بالقضاء والقدر، ووثقي صلتك بالله وداومي على صلاتك، وأكثري من الأعمال الصالحة.

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).

أكثري من التضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة وسليه غفران الذنوب، وأن يرزقك السعادة والطمأنينة والزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة، وكوني على يقين أن الله سيستجيب دعاءك.

أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وداومي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

كوني على يقين أن كل ما تعانينه سيزول إن اتبعت ما وجهتك به -بإذن الله تعالى-، فتوكلي على الله، فمن توكل على الله كفاه ومن استعان به أعانه.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولك، وأن يسعدك في الدنيا والآخرة، ويرزقك الزوج الصالح، ويصلح أحوال أسرتك إنه سميع مجيب.

++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتور عقيل المقطري (مستشار العلاقات الأسرية والتربوية)
وتليها إجابة الدكتور محمد عبد العليم (استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان).
++++++++++++++++++++++++++++++

نرحب بك في الشبكة الإسلامية في أول مشاركتك، ورسالتك رسالة واضحة ومعبرة، وجزاه الله خيرا الأخ الشيخ الدكتور عقيل المقطري قام بإجابتك إجابة مفيدة وذات نفع كبير، فأسأل الله تعالى أن ينفعك بها، أرجو أن تدبري وتتأملي كل كلمة ذكرها لك الشيخ جزاه الله خيرا.

من الناحية النفسية أنا أقول لك أن الذي بك حقيقة هو نوع من عدم القدرة على التكيف، أو عدم القدرة على التواؤم مع ظروفك الاجتماعية وظروفك الشخصية، وعدم القدرة على التكيف أو عدم القدرة على التواؤم أمر شائع جدا بين الناس، لأن الناس تختلف في شخصياتها وفي تركيباتها الجينية التي تؤدي إلى تفاعل معين مع البيئة التي نشأ فيها الإنسان وعلى ضوء ذلك يكون الناتج هو الحالة المزاجية أو السلوكية لدى الإنسان، يا أيتها الفاضلة الكريمة الحياة تجارب هذا أمرا لا شك فيه، والتجارب حتى وإن كانت سيئة أيضا تنشأ عنها مهارات يكتسبها الإنسان ليصحح مساره، وإن كانت قاسية أيضا تقوي من شكيمة والدفاعات النفسية لدى الإنسان.

والأمر الآخر الذي أود أن أنبهك إليه هو أن الحياة السعيدة تصنع لا تأتي لوحدها أبدا، ومن الضرورة جدا أن يكون الإنسان إيجابيا في تفكيره مهما كانت الظروف، وإيجابية التفكير تؤدي إلى إيجابية المشاعر وإيجابية المشاعر تؤدي إلى إيجابية السلوك والأفعال، وحتى إن كان الفكر السلبي هو المهيمن علينا يجب أن تكون أفعالا إيجابية، هذا هو الذي تحتاجين إليه أيتها الفاضلة الكريمة أنا أتعاطف معك جدا، وأقر تماما كل ما ذكرتيه وأن الصعوبات التربوية التي واجهتيها وبعد ذلك الزواج وفشله هذا كله أدى إلى رواسب نفسية أثقلت القدرة على التوائم الصحيح والتكيف الصحيح، لكن هذه خبرات، هذه خبرات وكثير من الناس قد حرموا من الخبرات، أنا لا أحاول أن أسهل لك الأمور أو أحاول أن أقول لك كلاما ليس مرتبطا بالواقع لا، أنا أعتقد أن عزيمتك وشكيمتك الآن يمكن أن تكون قوية جدا ويمكن أن تدفعك دفعا إيجابيا، -أيتها الفاضلة الكريمة- لا تعيشي في سياج الماضي، لا تكوني أبدا حبيسة له.

إنما اخرجي لهذه الحياة بجمالها وآفاقها، والتطوير يكون عن طريق أشياء بسيطة جدا، حسن التواصل الاجتماعي أن تحددي أهداف في حياتك حتى وإن كانت بسيطة، والتواصل الاجتماعي الآن هو أساس الحياة السعيدة، التواصل الصحيح مع الصالحين من الناس، صلة الرحم، عدم التقاعس من الواجبات الاجتماعية، حسن تنظيم الوقت هذا كله علاج وهذا هو الذي تحتاجين إليه أيتها الفاضلة الكريمة.

أريدك أن تجعلي لحياتك معنى بهذه الكيفية، ويجب أن تعيشي الحاضر بقوة وتعيشي المستقبل بأمل ورجاء، أما الماضي فيجب أن نغلقه في سياج الماضي ولا مانع من أن تستفيدين منه كخبرة كما ذكرت لك، هذا هو الذي أود أن أقوله لك وبهذه الكيفية تستطيعي أن تنمي نفسك وتنمي شخصيتك وتسعدي نفسك، أنا أرى أيضا لا مانع أبدا إذا تناولت أحد محسنات المزاج عقار مثل بروزاك والذي يسمى فلوكستين هو دواء سليم وغير إدماني ولا يؤثر على الهرمونات النسوية، ولا يحتاج إلى وصفة طبية في معظم الدول، الجرعة في حالتك أن تبدئي بكبسولة واحدة يوميا قوة الكبسولة 20 مليجرام تناوليها لمدة شهر ثم اجعليها كبسولتين يوميا لمدة ثلاثة أشهر ثم خفضيها إلى كبسولة واحدة يوميا لمدة ثلاثة أشهر ثم بعد ذلك توقفي عن العلاج.

أسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك.

مواد ذات صلة

الاستشارات