تعبت نفسيتي من الغربة ولم أعتد علی فراق عائلتي! أرشدوني

0 137

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالب أردني أدرس الطب البشري في مصر في السنة الأولى، أعاني من الغربة، فقد ذهبت إلی مصر -مع العلم بأني أسافر للمرة الأولى- وأنا لا أعرف أحدا، تعبت نفسيتي كثيرا فلم أعتد علی فراق عائلتي، ولم أعد أطيق الغربة حتى أني أصبحت مهملا لدروسي، فلم أعد أطيق الدراسة، ولا حتی الحياة في بلد لا أجد بها من أشكو له همي، وقد بدأت أعاني من التعب الجسدي والنفسي حتی أن شعري بدأ يتساقط، لا أعلم ما الذي أفعله لأستعيد عافيتي، فقد أصبح جسدي هزيلا.

كل ما أريده هو بعض النصائح، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

في البداية: أريدك أن تستبعد كل الأفكار السلبية التي تسيطر عليك، بأن نفسيتك تعبت جدا، ولم تعد قادرا على فراق أهلك وعائلتك، إضافة إلى أنك لم تعد تطيق الحياة ولا الدراسة، وأنك تشعر بالوحدة حيث لا تجد من تشكو له همك وأريدك أن تركز على مناطق القوة لديك؛ فأنت شاب قد بذلت جهدا في دراستك الثانوية، ونجحت؛ إذن: لديك القدرة والإمكانات للنجاح والتفوق بإذن الله، وما عليك إلا أن تقوي مستوى الثقة بالله أولا لديك، ثم الثقة في نفسك، واقرأ هذه القصة بهدوء:

قال أحدهم: كنت دائم القلق، لكن في أحد أيام الربيع من عام 1943م، كنت أتمشى في أحد الشوارع، وإذا بي أرى منظرا أزال عني القلق، حدث ذلك خلال عشر ثوان فقط، تعلمت فيها ما لم أتعلمه في السنوات العشر السابقة.

فمنذ سنتين، كنت أدير مخزن بقالة في مدينة وبي، وقد خسرت جميع مدخراتي، وغرقت في ديون تحتاج إلى سبع سنوات من العمل لسدادها، وقد أقفلت مخزني وذهبت إلى بنك التجار والصناعيين؛ لاستدانة المال الكافي لانتقالي إلى مدينة كنساس للبحث عن عمل.

كنت أسير كرجل مهزوم فقد ثقته بنفسه وشجاعته، وفجأة رأيت رجلا وقد بترت قدماه، كان يجلس على مقعد يرتكز على عجلات، ويزحف في الشارع بمساعدة قطع من الخشب أثبتها في كل يد.

التقيت به بعد أن عبر الشارع يرفع نفسه ليصعد إلى الرصيف، وفيما هو يفعل ذلك، التقت عيناي بعينه، فابتسم لي ابتسامة رائعة قائلا: صباح الخير يا سيد، إنه صباح جميل، أليس كذلك؟
وفيما أنا واقف أنظر إليه، عرفت كم أنني غني، فأنا أملك ساقين، وأستطيع السير، شعرت بالخجل من نفسي وقلت في نفسي: إذا كان هذا الرجل الفاقد لساقيه سعيدا واثقا من نفسه، فكيف يجب أن أكون أنا بوجود ساقي؟

شعرت بالارتياح، وكنت قد قررت أن أستدين مبلغ مئة دولار فقط من البنك، فأصبح لدي الشجاعة الكافية لطلب مئتين، وكنت أنوي أن أقول: إنني ذاهب إلى مدينة كنساس للحصول على عمل، فحصلت على المال، وحصلت على العمل، ويومها ألصقت هذه الكلمات على المرآة، حيث يمكنني قراءتها كل صباح:

شعرت بالكآبة لأنه لا حذاء لدي، حتى التقيت في الشارع برجل قطعت ساقاه".

فشعورك ـ أخي الفاضل ـ بالغربة أمر طبيعي جدا؛ لأنك قضيت المرحلة الأهم في حياتك ببلدك، ووسط أهلك وأصدقائك، وأنت الآن تمر بمرحلة جديدة من حياتك تحتاج منك إلى القوة والعزم والإرادة.

تحتاج منك أن تركز على الأشياء التي تمنحك الثبات، ومن أهم الأشياء التي تساعدك في ذلك تحديد هدفك، تذكر أنك أتيت إلى مصر قد تصبح طبيبا ناجحا متميزا، وتدخل السرور على قلب والديك اللذان ينتظران نجاحك بفارغ الصبر، ضع هدفك نصب عينيك دائما، واجعله مكتوبا، ركز على الدراسة وتناسى ما أنت فيه من جو الغربة، واعلم أنك كما اكتسبت أصدقاء في بلدك، فأنت أيضا قادر على تأسيس علاقات اجتماعية متينة، فقط عليك أن تتقبل ظرفك الآن وتنطلق بقوة.

ألزم نفسك بالدوام الجامعي، واحرص على أن تكون في الصفوف الأولى، وابدأ بالتعرف على المتميزين في كليتك، وكن أنت المبادر، بالابتسامة اللطيفة، والخلق الحسن، والأسلوب اللائق، حتى تصبح محبوبا بين زملائك وتكسب ودهم ومحبتهم، لا تجعل شعورك المستمر بالغربة عائقا، بل على العكس اعتبره فرصة للسياحة والتعرف على أناس جدد وحياة جديدة وبيئة جديدة، وانظر إلى غيرك من المغتربين كيف أبدعوا وتفوقوا، واعقد تحديا مع نفسك أن تسبق كل زملائك وتكون الأول على كليتك، فحين تشغل نفسك في الدراسة فستنسى الشعور بالغربة، وستألف المكان والأشخاص رويدا رويدا.

ثم إن توافر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالصوت والصورة ألغت الحدود والمسافات، وقلصت الشعور بالغربة عن المكان، فعائلتك معك أنى حللت وأنى رحلت، فلا تجعلها ذريعة تحمل عليها فشلك، بل امض وانطلق.

أنصحك أن تخصص لنفسك وقتا لممارسة الرياضة، فالرياضة لها دور كبير في تخفيف الضغط النفسي، والتخلص من الأفكار السلبية، كما أنها تنشط الدماغ وتجعله يقبل على الدراسة.

وأحب أن أبشرك بأن حالتك لن تستمر، وإنما هي حالة طبيعية بسبب انتقالك وشعورك بالغربة عن هذا العالم الجديد الذي لم تتعود عليه، وفي اعتقادي أن السنة القادمة ستكون أكثر تفهما للوضع، وأكثر تفاعلا مع المحيط ومع الأشخاص في الاتجاه الإيجابي.

وفقك الله، وسدد خطاك، وجعلك من الناجحين المتفوقين.

مواد ذات صلة

الاستشارات