السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب ثانوي، أعاني من وسواس الموت بصفة دائمة، وأشعر بأن الحياة لا قيمة لها، ولا أجد فيها اللذة، وأهملت دروسي مع العلم أنني متفوق، وأحفظ القرآن، ومحافظ على الصلاة، وأقول لنفسي لم أعمل وأتعلم وأنا في النهاية سأموت وأترك كل شيء الأحبة والأقارب والأصدقاء ...إلخ.
سؤالي: هل من الممكن أن يكون سبب ذلك هو الشيطان؟ وكيف أصل إلى الله وأكون متفائلا؟
أفيدوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ مصطفي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسعدني تفوقك العلمي، وحفظك للقرآن الكريم، وكذلك محافظتك على الصلاة، فهذه الأشياء الثلاثة كفيلة بمنح السعادة للإنسان، وجعله متفائلا مقبلا على الحياة.
نعم الموت حق ومن منا ينكر ذلك فال تعالى: " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة" ولكن أيضا الله سبحانه وتعالى جعل الحياة دار العمل، فقلما نجد آية في القرآن لم يقترن فيها الإيمان بالعمل، فكم وكم تكررت الآية " إن الذين آمنوا وعملوا ....".
والله سبحانه وتعالى أمرك أن تعمل في الحياة الدنيا، وذكرك أنه سيرى عملك يوم القيامة، وأيضا نبينا -صلى الله عليه وسلم- سيرى ما قدمت من عمل، قال تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون (سورة التوبة – 105-)"
أليس اعملوا هنا فعل أمر ؟!
أليس الآمر هو الله سبحانه وتعالى ؟!
إذن أنى لك أن تقول لماذا أعمل وأتعلم وأنا في النهاية سأموت ؟! ومن قال أن الموت هو النهاية، وإنما هو مرحلة انتقالية بين الدنيا الفانية والحياة الباقية، تحمل معك ما قدمت من أعمال نافعة في دنيا، وعلوم كسبتها ونفعت بها، وقرآن حفظته وعملت به وطبقت أحكامه ليكون شفيعا لك حين تقف بين يدي الله -عزوجل-، وموصلا لك إلى أعلى الدرجات.
نعم، أنت مفارق للأحبة والخلان، ولكن عسى أن يكون بينك وبينهم محبة في الله وأخوة توصلك إلى منزلة يغبطك عليها الأنبياء والشهداء، هكذا بشرنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-: عن عمر بن الخطاب قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم ؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس: وقرأ هذه الآية: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) [رواه أبو داود ].
اعلم أن الوساوس التي تعتريك إنما هي من عمل الشيطان ليثبطك فتقعد عن المسارعة في الخيرات، والقيام بالقربات والطاعات، فتفتر همتك وتركن إلى التهاون والكسل والسلبية وهذا هو منتهى غايته.
تذكر أن الله سبحانه وتعالى إنما خلقك في الأرض لتكون خليفته فيها فتعمرها وتنشر الخير فيها، فاسأل نفسك هل أنت بتلك الأفكار السلبية تؤدي ما خلقت من أجله؟! هل الله راض عنك وأنت مستكين ومستسلم، وزاهد في الدنيا ومنتظر الموت؟!
إذن فعليك أن تنهض بقوة وأن تجدد عزيمتك وتنطلق بقوة، وبعد أن تنتهي من قراءة كلماتي هذه قلها بقوة: والله لأرين الله مني ما يحب، ثم عد إلى حياتك من جديد، وتعهد قرآنك بالحفظ، وابدأ مع حلقة لتحفيظ القرآن الكريم تقوم من خلالها بتحفيظ القرآن الكريم للآخرين، وتابع دراستك وضع هدفا لك في هذه الحياة، فإن تحديد الهدف يعطي قوة ودافعا ولا سيما إذا ربطت هدفك بالآخرة.
حافظ على الصلوات، واحرص أن تكون في جماعة، وخاصة صلاة الفجر فكثيرا ما تتهاون النفس لأدائها في البيت، واحضر مجالس العلم فلذلك أثر عظيم في تزكية النفس وشحذها بالروحانيات والإيجابيات العالية، وخاصة إذا كان الشيخ قريبا إليك محببا إلى نفسك، فذلك أدعى أن يكون لكلماته ومواعظه أثر كبير في نفسك، فإن لم تجد في منطقتك فلا بأس استمع إلى دروس الشيخ الذي تحب من خلال النت.
المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وكذلك الاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تغمر القلب رضى، وتملأ الصدر انشراحا.
خصص جزءا من وقتك لممارسة الرياضة، الرياضة له دور في تنشيط الدورة الدموية ونشاط الدماغ وبالتالي تشعر بالحيوية والنشاط والتجدد.
وأخيرا أنصحك بالابتعاد عن الوحدة والعزلة التي تسمح لك أن تسرح مع وساوس الموت، وإنما كن دائما مع أهلك وأصدقائك، وعندما تخلو بنفسك أشغلها بالحق وبما يفيد بدلا من أن تشغلك هي بالباطل.
أسأل الله أن يجعلك من أهل الفلاح في الدارين اللهم آمين.