أعاني من الوحدة والفراغ وأشعر بالخوف أثناء الصلاة

0 161

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا شاب، أشعر بخوف في الصلاة، وخاصة في السجود، وكأن روحي ستخرج، وأوسوس كثيرا، ولا أحب الخروج مع أحد، أجلس وحيدا دائما، ليس لأنني لا أحب الناس أو الاختلاط، ولكن لم أعد أهتم بذلك.

أستطيع الخروج ومخالطة الناس، لكنني أرى الوحدة أجمل، وأحس بفراغ كبير في حياتي، ومنذ فترة لم أستطع حل مشكلتي، واتجهت إلى المسكرات وأدمنتها، وأحاول التدرج لكي أتركها، ولكنني أفكر بالبديل، لأن الفراغ قاتل.

أعلم مدى عقوبة الخمر في الإسلام، وأنه خزي وعار، ولكن الإنسان ضعيف، كما أنني استخدمت حبوب سيركويل بلا استشارة طبية، وأستخدمها بين فترات فقط، حينما لا أستطيع النوم، حيث آخذ ربع حبة فقط من 100 ملغ، فما تشخيصكم لحالتي، وكيف أتخلص من هذا الفراغ والخوف؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

لديك بعض الصعوبات النفسية تتمثل في الشعور بالسلبية والعزلة، وعسر المزاج وافتقاد الفاعليات، والكفاءة النفسية والاجتماعية، هذا ربما يكون مؤشرا على أنك تعاني من اكتئاب نفسي بسيط، المشكلة الكبيرة جدا هو أنك بدأت تعالج هذه المشكلة بمشكلة أسوأ وأفظع منها وهي تناول الخمور، أنا أقول لك بكل علمية وبكل جدية وإخلاص وصدق أن الخمر من أكبر مسببات الاكتئاب النفسي، قد تحس بشيء من الراحة حين تتناولها في بداية الأمر، لكن على المدى البعيد والمدى التراكمي الخمور من أكبر مسببات الاكتئاب النفسي، لذا نجد نسبة الانتحار عالية جدا وسط المدمنين على الخمر، وذلك نسبة الشعور باليأس الشديد، والاكتئاب المطبق الذي يحس به المتعاطي للخمر.

فإذا أنت الآن يجب أن تعالج هذه المشكلة، مشكلة التعاطي والعلاج بسيط جدا وهو التوقف عنها، والتوقف عن الخمور ليس بالصعب لمن أراد بالفعل أن يحرر نفسه من هذا الاستعباد، وأنت صغير في السن وهنالك أشياء جميلة أخرى في الحياة يمكن أن تدمنها، فيا أيها -الفاضل الكريم- لا تعتمد على فكرة أن الإنسان ضعيف، لا، ضعف الإنسان ليس في هذه الأشياء، الإنسان الله تعالى حباه بالقوة والإرادة والمنعة والاستبصار والارتباط بالواقع، والأهلية العقلية ليقرر حول هذه الأمور، فالمسؤولية مسؤوليتك واعلم أن الإنسان أن يصحح مساره أفضل كثيرا من أن يظل على نفس المسار، خاصة إذا كان هذا المسار خاطئا.

ولا بد أن تدفع نفسك اجتماعيا وأن تغير بيئتك، كن مع الصالحين من الشباب، اجعل لحياتك هدفا، وبدل هذا الفكر السلبي والمشاعر السلبية إلى ما هو إيجابي، ممارسة الرياضة تنظيم الوقت، الصلاة في وقتها كلها فاعليات عظيمة وإيجابية، ومطلوبة وتخرجك من هذا الذي أنت فيه، عليك ببر والديك هذا يبعد عنك كل الشرور الاضطرابات الوجدانية النفسية وكذلك التعاطي للخمور -إن شاء الله تعالى-.

ليس هنالك ما يمنع أن تتناول بعض محسنات المزاج مثل عقار ريمانون مثلا ولا مانع من جرعة صغيرة من السيركويل لكن هذا يجب أن يكون عن طريق طبيب نفسي، فأرجو أن تراجع أحد الأطباء النفسيين لتكون تحت المتابعة، لأن متعاطي الخمر خاصة حين يكون صغيرا في السن يحتاج لسلطة ما تساعده، والسلطة العلاجية، مثل السلطة الأبوية تفيد في مثل هذه المواقف، فأذهب وقابل الطبيب.

وأنا أكرر أن موضوع أنك تعاني من الفراغ هذا ليس عذرا، أعرف أن الواجبات أكثر من الأوقات، وأن الإنسان يمكن أن يستثمر وقته بصورة رائعة، والحياة فيها أشياء جميلة جدا وهي كلها أشياء طيبة، وحلال ومباحة، فاسرع وثابر حتى لا يفوتك الجميل وتلبس نفسك بثوب ما هو قبيح.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور: محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي، وطب الإدمان.
وتليها إجابة الشيخ: عمار ناشر مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- بارك الله فيك -أخي العزيز-، وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, سائلا الله تعالى أن يفرج همك، ويمن علينا وعليك بالعفو والعافية، ويثبتنا وإياك على الهدى والدين ويهدينا صراطه المستقيم.

- لا شك أن كتابتك للرسالة دليل على توفر القوة لديك، والحرص على التخلص من مشكلتك وآلامك، وعدم استسلامك لحالة المرض والخطأ لديك, وهو مؤشر جيد وبداية الشفاء -بإذن الله تعالى-.

- ما تعانيه -حفظك الله وعافاك- من مشاعر (حب العزلة عن الناس والشعور بالفراغ والإدمان على الخمور والخوف في صلاتك), هي ولا شك نوع من الأمراض النفسية التي تفشت في مجتمعاتنا اليوم، بسبب كثرة الضغوط والأزمات المتنوعة الاجتماعية وغيرها.

- وإن من واجب المحافظة على النفس مراجعة استشاري نفسي، وعرض المشكلة عليه من غير حرج ولا تردد, وما عليك إلا واجب بذل الجهد اللازم, وقد ثبت في الحديث الصحيح (إن الله ما أنزل داء إلا جعل له دواء ).

- واعلم أن (تعاطي الخمر) -عافاك الله وعفا عنك- وإن أنساك مشاعر الاكتئاب مؤقتا، إلا أنه لا يزيد المشكلات إلا تراكما وتعقيدا كما هو معلوم, ولذلك فقد صح في الحديث: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)، وفي رواية: (إنها ليست بدواء, ولكنها داء), ولا يخفى أن الخمر من أعظم المحرمات كما جاء في صحيح مسلم: (كل مسكر حرام), ولذلك فإن الدواء الذي تتعاطاه يجب عليك مراجعة الطبيب المختص؛ منعا من مخالفة الشرع, ومن زيادة المرض.

- ومما يسهم في تخفيف أو إزالة مشاعر المشكلة لديك: استحضار أن الحياة الدنيا طبعت على الابتلاء, (لقد خلقنا الإنسان في كبد) (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)، (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين), واستحضار ثواب الصبر على البلاء, حيث قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: (إذا أحب الله قوما ابتلاهم, وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء), وفي الحديث أيضا: (فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة).

- اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء, فاحرص على التماس أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل، ودبر الصلوات المكتوبات ودعاء الوالدين, قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان), ولا عجب, فإن الله تعالى بيده ملكوت ومقادير السموات والأرض فهو المهيمن على كل شيء، وهو على كل شيء قدير, فكما ابتلاك تعالى لحكمة من (رفع الدرجات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات), فأحسن الصلة بالله تعالى ومعرفته وطاعته وذكره ودعائه سبحانه وتعالى، والرضا بأقداره المؤلمة, قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

- وأما بخصوص (إحساسك بالفراغ الكبير في حياتك), فإني أنصحك بضرورة مجاهدة النفس بالتركيز منك على حياتك وواقعك ومستقبلك، ودينك ودنياك بإيجابية وفاعلية وتوازن واعتدال، وتعزيز الثقة بالنفس وقوة الإرادة, وتخفيف الضغوط النفسية عليك بضرورة الترويح عن النفس بالقراءة في الكتب النافعة، ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة, والخروج إلى المتنزهات برفقة الأهل والصحبة الصالحة لمدافعة هذه الهموم وهذه الأحزان, وتخطيها وتجاوزها بالشعور بالثقة والأمل والطموح والتفاؤل, وإدراك أن الحياة قليلة, فهي لا تستحق هذه المبالغة في القلق والأحزان, فأحسن إدارة نفسك ووقتك، وحياتك ومستقبلك بالجد والاجتهاد والمثابرة والمصابرة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، و (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز).

- أوصيك بقراءة القرآن الكريم والسيرة النبوية بتدبر, وقراءة تجارب الناجحين من العلماء والمفكرين، والتي لا تخلو من مآس وآلام وجراح كانت مقدمة للإنتاج والإبداع والنجاح.

- ويمكنك تحويل طاقتك السلبية إلى إيجابية بالمحافظة على توسيع دائرة الثقافة بالقراءة والترويح عن النفس، وبمزاولة الرياضة والخروج مع الصحبة الطيبة إلى الدروس والمتنزهات, اكسر جدار الحزن والعزلة, وواجه تحديات الحياة بكل إيجابية وثقة ورضى وحب وشجاعة, فمازلت في مقتبل العمر والحياة أمامك واسعة -بفضل الله تعالى-.

- كما أوصيك بقراءة الكتب الأربعة التالية : (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة): للشيخ عبد الرحمن السعدي, (جدد حياتك): للشيخ محمد الغزالي, (لا تحزن) : للشيخ عائض القرني, (استمتع بحياتك): للشيخ محمد العريفي.

- وفقك الله وعافاك وسددك وأسعدك في دينك ودنياك وآخرتك. أسأل الله أن يحفظك -أخي العزيز- من كل مكروه وسوء, وأن يرزقك الصبر وعظيم الثواب والأجر, وأن يفرج همك, ويشرح صدرك, وييسر أمرك, وينير عقلك, ويلهمك الرشد والصواب, والهدى والسداد، آمـين.

مواد ذات صلة

الاستشارات