السؤال
عمري 25 سنة، منذ 4 سنوات أصبت بحالة غريبة، عرفت بعدها أنها نوبة هلع لم أعرها اهتماما، فقط كانت بسيطة لمدة دقيقة، ولكني ظننت أنه الموت، وبدأت وساوس الموت والتفكير الدائم به، والخوف من فقد شخص عزيز كالوالدين الإخوة، علما أنني متعلقة بهم كثيرا.
اختفت أعراض الخوف من الموت، ولكن بقي قليل من الخوف من فقد شخص عزيز، تخرجت من الجامعة ولم أجد عملا. مررت بضغوطات صعبة، زادت حدة القلق لدي، حيث أصبت بصرير الإسنان، وأحيانا سخونة في القدم، شعور بعدم الارتياح، آلام في المعدة، والقولون، غصة في الحلق، نوم متقطع، علما أني كنت دائمة السهر وقليلة الحركة، والخروج.
في يوم أصبت بنوبة هلع شديدة استمرت لساعات، ومن بعدها أصبحت أخاف النوم لوحدي؛ لأنها أتتني قبل النوم، وأخاف البقاء وحيدة، ومن الخروج من المنزل، وأخاف من الأماكن الضيقة والواسعة خوفا من أن تداهمني النوبة أمام الآخرين، كنت أحس بنبضات متفرقة في جسمي وسخونة ونغزات في الصدر، ورجفة خفيفة، وأرق، وعدم الارتياح، خمول، دوخة، ضيق نفس أفكار أنني لن أشفى، وأنني مريضة، قرأت في موقعكم عن تمارين التنفس والاسترخاء بدأت بتطبيقها اختفت الكثير من الأعراض الجسمانية، مارست الرياضة بدأت أشعر بالارتياح.
أحيانا أخرج من المنزل، ولكني أكون قلقة من النوبة، ولكني عند الاختلاط أنسى وأستمتع، تفكيري الدائم بها جعلها تعوقني عن ممارسة حياتي، وجعلها تتكرر مرة أخرى، وبنفس الشدة، أحيانا أتناساها، وأستطيع الخروج وأستمتع، وأحيانا أخاف أن تداهمني.
أريد أن أتخلص نهائيا منها بدون أدوية، ذهبت لطبيب باطنية، وقال أعاني من القولون، لكن أعراض القولون خفيفة، وليست شديدة، ولكنها تسبب لي قلقا، ثم ذهبت لطبيب نفسي، ووصف لي السبرالكس لمدة 4 أشهر، ولكنني لم أستخدمه؛ لأن الأعراض قلت حدتها، وعند ممارستي الاسترخاء وقليل من الرياضة شعرت بتحسن، وعند انشغالي أيضا أشعر بتحسن؛ لذلك لم أرغب باستخدام الدواء، حيث إنني أشعر أن السبب الرئيسي في ذلك هو الفراغ وأفكاري.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمه حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نوبة الهلع الأولى التي أتتك كانت بسيطة؛ لأنها قصيرة المدة جدا، وما نتج عنها هو الوسوسة، والخوف المستقبلي - أو ما نسميه بالقلق التوقعي - وبعد ذلك بدأت تظهر لديك بعض أعراض المخاوف، وموضوع الخوف من الموت هو موضوع مركزي جدا، نشاهد الكثير من الناس أو نسمع منهم حول هذا الموضوع، وأنا دائما أقول للناس: يجب أن نخاف من الموت شرعا، لكن لا نخاف منه مرضيا، وقناعة الإنسان تكون صادقة وقوية ويقينية أن الموت حق وآت ولا شك فيه، وأن كل نفس ذائقة الموت، وأن من أحسن في حياته كانت خاتمته حسنة، ومات مقبلا على ربه راضيا عنه، والموت لا مشورة حوله، فقد قال تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون}، وقال: {كل شيء هالك إلا وجهه}، {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة}.
وعلى ضوء ذلك الإنسان يسعى ليعيش الحياة بصورة إيجابية، أن يكون نافعا لنفسه وللآخرين، وأن يكون سعيدا في حياته، وأن يكون متطورا، وأن يحرص الإنسان على عباداته، وأن يكون دائما مستعدا للقاء ربه، هذا ليس فكرا تشاؤميا، هذا فكر إيجابي بكلياته.
والدعاء سلاح قوي جدا، والأذكار حافظة بإذن الله، خاصة أذكار الصباح والمساء، تبعث في الإنسان طمأنينة عظيمة خاصة فيما يتعلق بالخوف المرضي من الموت.
عليك بالدعاء لوالديك، واسألي الله تعالى دائما العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، ونسأله تعالى دائما حسن الخاتمة، {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا}، و{خير أملا}، {وخير عقبا}.
أنت الحمد لله تعالى طبقت آليات جيدة للتخلص من نوبات الهلع والهرع، وكذلك المخاوف، التمارين الاسترخائية، التمارين الرياضية، التعبير عن الذات، هذا كله مفيد، وأعتقد أنك محتاجة لأن تحسني إدارة وقتك، أنت تحدثت عن الفراغ - الفراغ ذهنيا أو زمنيا - يجب أن نتخلص منه، واعرفي - أيتها الفاضلة الكريمة - أننا نعيش في زمن الواجبات فيه أكثر من الأوقات، هنالك الكثير والكثير الذي يمكن أن نقوم به، فاجعلي لنفسك خارطة ذهنية لتوزيع الوقت: ما هي الأشياء الضرورية التي يجب أن تقومي بها، ما هي الأولويات في حياتك؟ كيف ترفهي عن نفسك، وقتا للعبادات، وقتا للرياضة، وقتا للتواصل الاجتماعي... هنالك الكثير والكثير جدا الذي لابد أن يقوم به الإنسان، ومن انشغل بواجباته انصرفت نفسه إلى إنجاز ما عليه، وحقق ما أراد.
أريدك أيضا أن تقرئي عن الذكاء الوجداني - أو ما يعرف بالذكاء العاطفي -؛ لأنه يعلمنا كيف نطور أنفسنا ونقبلها، وكيف نقبل الآخرين، وكيف نطور علاقاتنا بهم، هذا أيضا جيد، وهنالك كتاب (دانيال كارنجي) المعروفة، ويسمى (دع القلق وابدأ الحياة) أيضا يمكن أن تستعيني بهذا الاكتئاب.
اجعلي لحياتك هدفا؛ لأن وجود الأهداف يجعل الإنسان مشغولا بصورة إيجابية؛ لأنه يحتاج لآليات لتطبيق الوسائل الجيدة والإيجابية التي توصله إلى مبتغاه.
أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أعتقد أن استعمال الدواء لا بأس به، بل قد يكون مفيدا لك، والسبرالكس دواء سليم، ولا أعتقد أنك تحتاجينه لمدة طويلة أبدا، إذا بدأت بجرعة خمسة مليجرام يوميا لمدة عشرة أيام، ثم جعلتها عشرة مليجرام يوميا لمدة شهرين، ثم خمسة مليجرام يوميا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.
هذه جرعة بسيطة جدا وسليمة، وأعتقد أنها سوف تبني لك قاعدة علاجية ممتازة؛ لأن مكونات العلاج الأساسي هي العلاج النفسي المتعلق بالأفكار، والعلاج الاجتماعي، والعلاج الإسلامي، والعلاج الدوائي... هذه المحاور الأربعة - والعلاجات الأربعة - حين تجتمع تعطينا صورة رائعة جدا للتعافي -إن شاء الله تعالى-.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.