السؤال
السلام عليكم.
أشكركم أولا من كل قلبي على هذا الموقع الذي هو ملاذ وراحة في الكثير من الأمور التي واجهتني في الحياة؛ جمعنا الله وإياكم في جنات النعيم.
استشارتي مختلطة ما بين نفسية واجتماعية.
لدي أخت تكبرني بعدة أعوام؛ طالما كانت أمي تفضلها علي في الكثير من المواقف، وهذا الأمر كان يكسر قلبي دائما، و-الحمد لله- اليوم رزقني الله بزوج صالح ومتدين وتقي كما كنت أتمنى، لكن مشكلتي الوحيدة معه أنه فقير! لم أكن أعبأ بالأمر كثيرا حتى تزوجت أختي منذ مدة من شخص غني ومقتدر جدا.
أشعر أن الأمور بدأت تعود إلى سابقتها من تفضيل أمي لها أكثر من ذي قبل، حيث الآن تعتبر زواجها من إنجازات الحياة، ويعاملون زوجي بقدر أقل من زوج أختي كونه فقيرا، أحيانا أحس ببعض الحسد تجاهها، لكن -الحمد لله- أتدارك الأمر غالبا بالدعاء لها سرا والاستغفار.
كل ما يؤرقني الآن هو خوفي من أن يبقى زوجي فقيرا، فأنا أخشى الفقر جدا، وقد غلبني اليأس، وأفكر أحيانا بأن أطلب الطلاق، حيث إننا في مرحلة العقد، ولم أذهب إلى بيته بعد، فهل علي إثم إن كان السبب الوحيد هو فقره؟ وكيف أجعل قلبي يتوكل على الله حقا في هذه الأمور؟
ما جعلني أوافق على خطبته في بداية الأمر كونه متفوقا دراسيا، والآن يتابع الدراسات العليا، وعلى خلق ودين، لكن أشعر أن هذا لا يكفي لتكوين أسرة سعيدة؛ أخاف أن أكون أقل من باقي أفراد أسرتي، وأعود إلى إحساس النقص مرة أخرى كما كنت في طفولتي! انصحوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Fatimah حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك -أختي الفاضلة- وأشكر لك حسن ظنك وثنائك على الموقع وتواصلك، سائلا الله تعالى أن يفرج همك، وييسر للخير أمرك، ويشرح للحق صدرك، ويلهمك التوفيق، والصواب، والسداد، والرشاد.
في البداية فإني أنصحك بمسامحة والدتك -غفر الله لها وعفا عنها-؛ كون فضلها أكبر من خطئها عليك، الأصل في معيار الزواج المحقق لمقاصده الواردة في قوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ۚ)، هو أن يكون الزوج على دين وخلق حسن، لحديث: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) -صحيح سنن الترمذي-.
إلا أن الشرع راعى في الزوج أن يكون على (باءة) وهي القدرة المادية، والجسدية، لحديث: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج..) متفق عليه.
والفقر -أختي العزيزة- نوعان:
النوع الأول: فقر مدقع، وهو الزائد عن الحد، حيث لا يمكن للزوج توفير الضروريات، وهو عذر للمرأة من عدم قبول الزواج، وعذر للزوجة يمكنها من حق النشوز، وهو الخروج من بيت زوجها، وهو الذي علق الشرع وجوب الزواج عليه كما في الحديث السابق، وكما في قوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتىٰ يغنيهم الله من فضله ۗ).
والنوع الثاني: وهو الذي عليه أغلب الناس، وهو الفقر في حدوده المقبولة، وهو الذي حث الشرع على اعتباره في الزواج وعدم الرد به، وذلك في قوله تعالى: (وأنكحوا الأيامىٰ منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ۚ إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ۗ والله واسع عليم)، وثبت في الحديث: (ثلاث حق على الله عونهم -وذكر منهم- الفقير يريد العفاف) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.
فما دام أن الزواج قد تم، والزوج على ما ذكرت على دين وخلق، وتفوق دراسي، حيث يمكن أن يتحسن مستواه المادي في توفر فرص عمل مناسب، فالذي أنصحك به إمكانية الزواج إذا أمكنه توفير حياة مناسبة وكريمة في توفير البيت المتواضع المستقل والمعيشة اللازمة؛ لما سبق في التفصيل بين نوعي الفقر؛ ولا شك أن فضل الدين والخلق، والعلم والثقافة مقدمة على فضل المال والجمال وغيرهما، وهي أبقى وأصلح لتحقيق مصالح وسعادة الدنيا والآخرة.
احذري -حفظك الله ووفقك- من آفة المقارنة الجائرة، وتراكم العقد السابقة، والتي قد تحرمك مصالح الدنيا والآخرة، وقد صح في الحديث: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو أعلى منكم، فإن ذلك جدير أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) رواه مسلم.
وأنبهك إلى تذكيرك بكونك أعلم بنفسك من غيرك على قدرتك على تحمل الظروف المادية والنفسية، وضرورة أن تستبشري خيرا بالمستقبل الواعد والكريم -بإذن الله تعالى-؛ لما يغلب على الظن من قدرة زوجك على توفيره لتوفر مزاياه الطيبة، أشدد عليك بضرورة الاستمرار على ما أنت عليه من التحلي بحسن الخلق والدين، والمسامحة، والعفو، والاستغفار لوالدتك وأختك، وتفهم الضعف البشري، ولا تبالي أو تعتبري بخطأ والدتك في المعاملة، وحاولي أن تحرصي على رفع مستوى ومنسوب الإيمان لديك بلزوم الطاعة، والذكر، والاستغفار، وقراءة القرآن.
كما وأوصيك باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، وصلاة الاستخارة، والله الموفق والمستعان.
جمع الله شملك بزوجك وأهلك على خير، ورزقك سعادة الدنيا والآخرة.