السؤال
السلام عليكم.
أصبت بحالة التغرب عن الواقع والذات منذ ثمان سنوات، وذهبت لطبيب نفسي، فوصف لي دواء لم أستعمله خوفا من مضاعفاته.
سيطرت على الحالة، لكن تركت بعض الآثار السلبية على نفسي كالخوف من بعض الأشياء، مثل: قيادة السيارة وحدي، والزحام وغيره.
أعمل في دولة عربية، ومنذ أن رجعت من الإجازة صرت حزينا، وبدأت تأتيني أفكار غريبة ومرهقة تتعبني نفسيا وعضويا، مثل: كيف يمشي الإنسان؟ وكيف يتحكم الرأس في الجسد؟ وكيف ينظر؟ وصرت أستغرب من كل تحركاتي كالمشي والأكل والحركة، كلها تصيبني باضطراب وهلع وقلق، ولا أستطيع تجاهلها، حتى عندما أفكر في شيء يسعدني، يأتيني هاجس يقول: لا تفرح أنت حزين.
أنا خائف جدا من الجنون، أشعر أن الافكار تزداد، وأني في طريق الذهاب بلا عودة، وأني غير موجود، وأن شخصا غيري يتحرك ويتصرف، كرهت عملي والناس وكل شيء، وأفكر أن أسافر حتى لو أخسر مستقبلي.
أرجوكم، هل هناك أمل أن أشفى، أو أن أكون طبيعيا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي: ما وصفته بحالة التغرب عن الذات تحولت بعد ذلك إلى مخاوف، وهذا دليل أن التغرب عن الذات مكونه الأساسي هو القلق، لأن الخوف أصلا وليد القلق، وبعد ذلك أخذت حالتك منحى آخر وهو الفكر الوسواسي، أوضحته بصورة جلية جدا في المثال الرائع الذي ذكرته، حيث تأتيك أفكار كيف يمشي الإنسان؟ وكيف يتحكم الرأس في الجسد؟ وكيف ينظر؟ هذا -أيها الفاضل الكريم- فكر وسواسي قلقي، وليس أكثر من ذلك.
إذا حالتك الآن هي قلق الوساوس، وهذا يولد عنه شيء من عسر المزاج، هو الذي جعلك تحس بالإحباط وأن تفكر في ترك وظيفتك والرجوع إلى أهلك، أنا أقول لك الأمر بسيط جدا -أيها الفاضل الكريم-، يجب أن تكون إيجابيا في التفكير، ويجب أن تحقر هذا الفكر الوسواسي، حين تأتيك الفكرة لا تدخل في نقاشها وحوارها وتحليلها وتفكيكها وتفصيلها، لأن ذلك يزيد من حدت الوسواس وإطباقه.
التجاهل ضروري، خاطب الفكرة مخاطبة مباشرة قائلا: أنت فكرة حقيرة لن أهتم بك، ويمكن أن تلجأ للحيل السلوكية الأخرى، مثلا حين تأتيك الفكرة أي يمكنك أن تستجلبها، اجلس على طاولة واضرب على يدك بقوة وشدة حتى تحس بالألم، المقصود من هذه الحيلة السلوكية هو أن تربط إيقاع الألم بالفكرة الوسواسية، بتكرار التمرين 20 مرة متتالية تجد أن الوسواس قد ضعف كثيرا وهكذا، هذا تمرين يجب أن تكرره يوميا على الأقل مرتين أو ثلاثة.
ممارسة الرياضة -أخي الكريم- خاصة رياضة المشي تحسن كثيرا من الحالة المزاجية، وتقلل من القلق والتوتر والوساوس، النوم الليلي المبكر أيضا يساعد الإنسان كثيرا في استرداد صحته وعافيته النفسية وكذلك الجسدية، فاحرص على ذلك، وأريدك أن تشغل نفسك، والتواصل الاجتماعي فيه خير كثير للإنسان لتطوير شخصيته ونمائها، وصرفها عن الوسوسة والقلق والخوف، الصلاة في وقتها والدعاء، خاصة أذكار الصباح والمساء يجب أن تكون هي ديدنك وتهتم بها، ولا تنسى وردك القرآني أبدا.
بقي أن أقول لك أخي الكريم: سيكون من الجميل والمفيد أن تتناول أيضا أحد الأدوية المضادة للقلق المخاوف الوسواسي والمحسنة للمزاج، عقار زوالفت والذي يسمى سيرترالين دواء رائع وفاعل وممتاز، وسليم، وقليل الآثار الجانبية، الجرعة هي أن تبدأ بـنصف حبة 25 مليجراما ليلا لمدة 10 أيام، ثم تجعلها حبة ليلا لمدة شهر، ثم تجعلها حبتين ليلا لمدة شهرين، ثم تنقصها إلى حبة واحدة ليلا لمدة شهرين آخرين، ثم نصف حبة ليلا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
الدواء قطعا لا يسبب الإدمان، أحد آثاره الجانبية هو أنه قد يؤدي إلى تأخر في القذف المنوي عند المعاشرة الزوجية، لكنه لا يؤثر أبدا على الصحة الإنجابية للرجل، الدواء أيضا قد يفتح الشهية قليلا نحو الطعام، ولذا يجب أن يحذر الإنسان ويتحوط حتى لا يزيد وزنه إن حدث شيء من هذا، وتوجد أدوية أخرى كثيرة، وإن استطعت أن تقابل الطبيب النفسي قد يختار لك الدواء الموجود والذي يناسبك.
أنا سعيد جدا برسالتك هذه، وأرجو أن لا تترك عملك وطبق الآليات العلاجية التي ذكرتها لك، وأسأل الله تعالى أن ينفعك بها.