السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد, وعلى إله وصحبه أجمعين، أما بعد:
إخوتي وأحبتي القائمين على هذا الموقع المبارك, يا من ترفعون الهمة وتقوون العزيمة في نفوسنا, كنتم ولا زلتم تسكبون قوارير الرحمة والأمل والحب في قلوبنا وقلوب الناس، والله أسأل أن يحفظكم ويرعاكم، وأن يمد في عمركم ويبارك في وقتكم لما تقدموه من خير وأمل ورفع للهمم, وأن يرضى عنكم في الدارين، وأن يظلكم تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله –عز وجل-.
أخوتي أحدثكم من قلب متقطع على صاحبه, أبلغ من العمر 40 عاما، محب لله ولرسوله ولدينه.
أطلب منكم أن تجدوا لي حلا لمعاناتي سواء أكان بعلاج وأدوية أو نصائح علمية وسلوكية, كنت ولا أزال أعاني من توتر شديد وخجل قوي في مواجهة الناس سواء بكلمة اجتماعية في مناسبة عامة، أو كلمة علمية في محفل دراسي وجامعي, وكان هذا بسبب طبيعة الحياة التي كنت أعيشها وتربية الوالدين لي مما انعكس سلبا على حياتي، وأنا منذ ذاك الوقت في الصغر إلى اليوم أعاني من الخجل والاحمرار في الوجه والتوتر عند مواجهة مجموعة من الناس تقارب عمري أو تكبرني, وإن كانت قد خفت كثيرا عما كنت عنه في الصغر.
ولكن أخي الحبيب الآن أنا في مركز علمي وشهادة عليا أعمل مدير مدرسة، -والحمد لله- ناجح في حياتي ومحبوب من المحيطين بي, ولكن ما زالت تلك العقدة النفسية تحاول هزيمتي وتصدني عن كل المحافل، ومهما حاولت المواجهة أتردد في آخر اللحظات، وأعود القهقرى؛ مما ينعكس على وضعي النفسي لكل حالة لأسابيع عدة، أرجو منكم إعطائي حلا وعلاجا سلوكيا ودوائيا يزيل ما أنا به من المشاكل التي يسببها لي هذا الخجل والخوف الاجتماعي.
أحس أن الجميع يعيبني إذا تكلمت، والكل يريد أن يأكلني بعينه، مع أني أدرس وناجح في التدريس، وإن كنت حتى في التدريس إذا اعترضني موقف عارض، أو سؤال طارئ ربما يسبب لي الخجل والحرج مباشرة، وإن كنت أملك له الحل والجواب.
علما أني في موقع لا بد له من المواجهة وإلقاء الكلام في أولياء الأمور والمدرسين والطلبة، مع أني في كثير من الاجتماعات، وبعض الكلمات التي تمكنت من المواجهة فيها كنت ناجحا ومتميزا في الكلمة.
شكري وامتناني لكم إخوتي وأحبتي، وكلي أمل بكم بعد التوكل على الله بأن تعينوني في محنتي التي تتكرر معي دوما، وأن تجدوا لي حلا سواء أكان بعلاج وأدوية، أو نصائح علمية وسلوكية.
لو أستطيع التواصل مع أي دكتور من حضراتكم عبر الجوال أو مواقع التواصل الاجتماعي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
من المعروف أن الكثير من المشاكل النفسية التي يعاني منها الإنسان، إنما تعود في جذور نشأتها إلى طفولته الأولى.
وحسب رأي خبراء النفس فإن حوالي 10-15% من الأطفال يولدون ولديهم ميل واستعداد لأن يكونوا خجولين بصورة غير طبيعية، بينما الباقون يصبحون خجولين؛ إما لأنهم بدون مهارات اجتماعية، أو بسبب الخوف من عدم تقبل الآخرين لهم أو الخوف من تعرضهم للسخرية من الآخرين، مما يدل على فقدان الثقة بالنفس والذات.
ويعرف علماء الصحة الخجل الشديد أنه: نوع من أنواع القلق الاجتماعي الذي يؤدي إلى حدوث مشاعر متنوعة تتراوح بين القلق والتوتر البسيط إلى مشاعر رعب وهلع واضحة تصنف في علم النفس تحت إطار أمراض القلق والتوتر، خصوصا وأن النهاية الطبيعية للخجل الشديد هي الشعور بالوحدة والانعزال عن المجتمع، وكلاهما من أهم أسباب وربما نتائج مرض الاكتئاب، وهذا معناه بأن المصاب بالخجل الشديد سوف تتطور صحته النفسية للأسوأ.
وحسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن الخجل الشديد يعود لثلاثة أسباب متفاعلة هي:
- الوراثة: فلعل ما لديك من خجل إنما هو عادة موروثة في العائلة.
- فقدان المهارات الاجتماعية: وهذه من السهولة تنميتها مع الانفتاح الذي نعيش فيها، فعبر شبكات الأنترنت يمكن القراءة والاطلاع، وحتى حضور الدورات، والمشاركة في الندوات حول كيفية التخلص من الخجل.
- النظرة سلبية للنفس والذات، فتعزيز الخجل لديك قد يكون بسبب الرسائل السلبية التي ترسلها إلى دماغك، كقولك: أنا خجول، أنا قلق، أنا غير قادر على توجيه الطلاب وغير ذلك من الرسائل السلبية الهدامة، التي تهدم ثقتك بنفسك، وتجعلك تنظر إليها نظرة سلبية.
لذا أنصحك بما يلي:
1 ـ أن تقوم بعملية التقييم لذاتك بشكل دائم: وذلك بأن تكتب على ورقة الأعمال التي تريد القيام بها، سواء كلمة أو توجيه للطلاب، أو إرشاد للمعلمين عندك باعتبارك مدير مدرسة، أو تنبيههم إلى خطأ ما ارتكبوه، واكتب الأسباب التي دعت إلى التردد في القيام بذلك، ومن ثم قيم نفسك من خلال تسجيل عدد المرات التي قمت فيها بالفعل بتنفيذ ما نويت وعزمت على أدائه، وماذا حدث لك بعد أن نفذت ما نويت.
فقد ذكرت في رسالتك أنك في كثير من الاجتماعات وبعض الكلمات تمكنت من المواجهة فيها وكنت ناجحا ومتميزا في الكلمة، فهذا التقييم بحد ذاته، يعطيك قوة وثقة في النفس، ويدفعك إلى الأمام.
2- العمل على تنمية مهاراتك الاجتماعية، اعلم أن الخجل هو صفة مكتسبة، وليست من أصل الخلقة، لذا من السهولة جدا التخلص منها، واستبدالها بصفة إيجابية، حال وجود الرغبة الصادقة، والعزيمة والقوة والإرادة، وخاصة أنك الآن في مكانة مرموقة تحتاج منك التوجيه والإرشاد ومهارات التواصل، فتنمية مهارات التواصل والتفاعل مع الآخرين ضرورية جدا في علاج الخجل الشديد.
3 ـ وبإمكانك معالجة الخجل لديك من خلال عدة أمور منها: حضور الدورات التفاعلية، وتطبيق المهارات العملية التي تعلمتها مباشرة، ولو بينك وبين نفسك في المرحلة الأولى، وذلك بأن تقف أمام المرآة، وتلقي الكلمة أو الخطبة، أو توجه ملاحظة، بصوت عال، ووقفة الواثق بنفسه، ونظرة العارف بمواطن الخطأ والصواب، المبادر بأسلوب الود والحزم، الجامع بين الشدة واللين، وتخيل أمامك الجمهور أو الشخص الذي توجه إليه النصيحة، تخيل ردة فعله وتفاعله، تخيل نظرات الود والإعجاب بعينيه، وتخيل تفاعل الجمهور وانجذابهم إليك، وإصغاءهم إلى كل حرف تقوله، وبعد أن تتم هذه الصورة الجميلة يمكنك أن تغمض عينيك وتحتفظ بالصورة في خيالك، وتفاعل معها مع مشاعرك الداخلية لأقصى حد، فبذلك تبرمج عقلك اللاواعي على التخلص من الخجل شيئا فشيئا، وهذا المشهد سيمر بذهنك بتفاصيله حين تقف بين الجمهور على الحقيقة وسيعينك في تحطيم حاجز الخوف والقلق، وسيعطيك القوة والثبات بإذن الله تعالى.
4- الإكثار من حضور المحاضرات والندوات التربوية والتعليمية، لمحاضرين مشهورين ومتميزين، ليس للاستفادة من مضمونها فحسب، وإنما احرص أثناء المحاضرة على مراقبة المحاضر، حركاته وسكناته، وطريقة إيصاله المعلومات، وكيف يتفاعل مع الجمهور، كيف يجذبهم، وكيف يوصل إليهم ما يريد من أفكار، ودون ملاحظاتك على كراسة خاصة بك، وحاول أن تكتشف الفرق الذي صنع الفرق لدى هذا الشخص، ومن ثم قم بمحاكاة تصرفاته وسلوكياته فذلك أيضا سيجعلك تكتسب بالمحاكاة الكثير من المهارات، فإن لم يتسن لك ذلك شخصيا فلا مانع أن يكون الحضور عبر الشابكة فهناك الكثير من التسجيلات بالصوت والصور.
5 ـ أثناء تحضيرك للمادة التي تريد أن تلقيها سواء كانت كلمة أو خطبة أو توجيها، احرص أن تدعم مادتك بالقصص، فالقصة تدغدغ مشاعر المتلقي وتجذبه من ناحية، ومن ناحية أخرى أنت أيضا ستتفاعل مع أحداث القصة، وبالتالي ستتناسى مهابة الموقف الذي أنت فيه، وينطلق لسانك، ويتلاشى التوتر والخوف والقلق.
6- الاسترخاء والتنفس العميق قبل أن تبدأ كلمتك، هذا يساعدك كثيرا في تخفيف حدة القلق والتوتر، بالإضافة إلى التفاؤل وتذكرك للكلمات التي ألقيتها سابقا، وكنت فيها ناجحا ومتميزا، فأنت قادر إذا أن تكون متميزا في كل الأوقات.
7- استعن بالله ولا تعجز، بعد أخذك بالأسباب، وأخلص نيتك لله عزوجل في كل كلمة تقولها، وسل الله الفتوح والتوفيق والسداد، وانطلاق اللسان وانشراح الصدر، فهذا دعاء سيدنا موسى وهو نبي من أولي العزم، ومع ذلك لما أرسله الله سبحانه وتعالى إلى فرعون وملائه دعا الله أن يشرح له صدره وييسر أمره، ويحلل عقدة من لسانه، فنحن أيضا حري بنا أن نلزم هذا الدعاء عندما نقدم على أي أمر مهما دق أو جل أليس كذلك؟ وبإذن الله ستكون النتائج مرضية.
أسأل الله أن يرزقك الحكمة في القول والعمل، ويجعلك من أهل الفلاح في الدنيا والآخرة اللهم آمين.