تنتابني مشاعر الحزن والاكتئاب والأوهام، ما نصيحتكم؟

0 115

السؤال

السلام عليكم ..

أنا متغرب بشكل قسري عن أهلي مدة خمسة أعوام بسبب الحرب.

تنتابني مشاعر الحزن والاكتئاب من كل شيء، ولم تجد السعادة مدخلا إلى قلبي منذ أكثر من عامين، رغم علمي ويقيني بفضل الله الكبير علي.

أشعر أن الأوهام تأكلني وترميني بظلمات ومرارة الأيام، وخطيبتي تركتني لقناعتها أني حزين، لأني غير راض عن خطبتي لها، لأني لم أستطع تجاوز أو تبديل مشاعري.

ما زلت على وضعي في الكآبة والحزن السوداوي، وأخذت بعض الأدوية الخاصة بالاكتئاب، وتقربت من الله أكثر ولم أنجح بالتخلص من هذا المرض، فهل تنصحوني بعلاج أو طريقة للتخلص من هذه الحالة المزمنة؟

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فكثيرة هي الأهوال والأحداث التي تمر بالإنسان، تهدم مشاريعه، وتمحو خططا لعله قضى شهورا وربما سنين يخطط لها، ويرسم خطواته، ومن ثم تأتي الظروف وتتبدل الأحوال، وفي لحظة يشعر الإنسان أن أحلامه باتت هباء منثورا، والأكثر أنها ما بين طرفة عين فقد الأمن والأمان، والاستقرار الذي كان ينعم به، ليجد نفسه بعيدا عن أهله ووطنه وبيته وبيئته، فهو مضطر للتكيف مع بيئة جديدة قد تكون أبعد ما يكون عن الجو الدافئ الذي كان يحيا به.

أليس ما ذكرته أعلاه هو سبب السوداوية والاكتئاب الذي تعيش به؟! أليس هو السبب في حزنك وألمك؟!

أنا معك مئة بالمئة، فالحال على ما تراه أنت من خلف نظارتك السوداء لا يكاد يحتمل، وكافيا لإخماد بصيص أي أمل يلوح بالأفق، إضافة إلى أنه قادر على بسط سيطرته وتقييدك ويجعلك لا تحرك ساكنا.

ابني الفاضل:
أرجو أن تصغي إلي بأذن القلب، لا بأذن الرأس، فإن مفتاح سعادة الإنسان هو الرضا، الرضا بما قسمه الله لك، والتسليم بأن لله سبحانه وتعالى حكمته المطلقة في أي حدث مر في حياتك مهما دق ذاك الحدث أو جل.

الله سبحانه هو الضار النافع، المعز المذل، القابض الباسط ، الخافض الرافع.
هل وقفت مرة عند هذه الأسماء التي أتت مزدوجة ، هل تفكرت فيها؟

يقول العلماء لا بد أن تبقى هذه الأسماء مزدوجة ، وما ذاك إلا لأن الله سبحانه وتعالى إنما يضر لينفع، ويذل ليعز، ويمنع ليعطي، ويخفض ليرفع، وما على الإنسان إلا اليقين المطلق بالخير الكامن وراء ما يسوقه الله له من أقدار، وإن عجز عن إدراك الحكمة.

كلما قوي إيمانك واشتد أكثر كلما زاد يقينك واعتقادك أن المنحة في قلب المحنة، وأن الشدة وراءها الفرج، وأن الظلام إن اشتد يولد فجرا، وما ذاك إلا بتدبير الله وقضائه وألطافه وأن كل شيء وقع أراده الله، وأن كل ما أراده الله وقع، وأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.

يطوف أحدهم حول الكعبة ويقول: يا رب، هل أنت راض عني؟ وكان وراءه الإمام الشافعي فقال: يا هذا وهل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ وقف والتفت وراءه وقال: من أنت يرحمك الله؟ كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ فقال الإمام الشافعي: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة، فأنت راض عن الله.

قد سئل الإمام الشافعي: " أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فقال: لن تمكن قبل أن تبتلى.

أظن كل ما ذكرته أعلاه كافيا لجعلك تنظر إلى ما مررت به من منظور مختلف، وتخلع نظارتك السوداء لترى الحياة على طبيعتها، فكلما اشتدت المحنة، كلما اشتد عود الإنسان القوي، وكلما صقلت شخصيته أكثر، وأصبح أكثر واعيا وإدراكا وقدرة على تحمل المسؤولية، أما أن يلين ويضعف أمام أول هبة ريح تواجهه فلا أظن أن ذلك يعود عليه بالنفع، وإنما على العكس يعود عليه حزنا وهما وغما.

انظر حولك لترى كم عدد الشباب الذين هجروا بلادهم وأوطانهم وأهاليهم، ثم وقفوا بكل قوة ليتصدوا للمتغيرات، ويثبتوا وجودهم من جديد، فليس وحدك من تعرض لما ذكرت بل ثمة آلاف الشباب تعرضوا لما تعرضت له، ولكن كانت ردة فعلهم إيجابية، أيقنوا أنهم سيعودون إلى بلادهم يوما، لذا شحذوا همتهم وهبوا للعمل، والنجاحات، وكسب الخبرات والمهارات، وتقديم صورة رائعة عن الشباب السوري المكافح المتميز الناجح .

لا تظن أن الدواء سيغنيك عنك شيئا، أو يقدم لك سعادة، ويدخل إلى قلبك سرورا، إن الإيمان بالله سبحانه وتعالى وحده، والرضا والتسليم لما قضاه هو من سيجعلك سعيدا، فالله وضعك هنا يريد أن يراك هنا، فأر الله منك ما يحب.

وإليك عددا من الحلول والعلاجات لك ولمن يمر بمثل ما تمر به:
الإكثار من ذكر الله، قرآن، أوراد، أذكار الصباح والمساء، الاستغفار، فهو يفتح باب الرزق والفتوح والتوفيق.

قال تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
النظر إلى من هم دونك، فلله الحمد أنت بكامل الصحة والعافية، وغيرك الحرب أخذت منه عائلته، أخذت أعضاء من جسمه وخلفته معاقا غير قادر على الحراك، فأنت والحمد لله قادر على العمل والإنجاز وما زلت في مقتبل العمر والفرص أمامك كثيرة بإذن الله.

اعلم أن النجاح مرتبط بالسعي، فلا تظن أن العمل سيأتي إليك، وأن الفرصة ستبحث عنك، بل أنت ينبغي أن تمضي بقوة وعزم وتبحث عن العمل، حتى وإن لم يرق لك في البداية لا بأس اصبر عليه حتى تجد الأفضل، وبادر مرؤوسيك بالود والمحبة والإخلاص وإتقان العمل، وليجدوا منك ما يحبون فبإذن الله ذلك سيعينك .

اعمل على توسيع علاقاتك الاجتماعية ليس مع أبناء بلدك فقط، وإنما تعرف على أصدقاء من البلد الذي أنت فيه، وتقرب منهم، فهذا سيفتح أمامك أبوابا لفرص رائعة.

تنمية الجانب الروحي والإيماني لديك، لا تقل لي: إنك تصلي، وأنت تظن أنك قد أديت لله سبحانه وتعالى حقه بذلك، فالدين المعاملة، الدين أن تراقب نفسك وأفكارك وخواطرك وقلبك ، الدين أن تعف نظرك ونفسك عن الحرام، الدين التقوى، الدين حسن الأخلاق، الدين الأمانة ، الدين محبة نبينا صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، الدين أن ألزم نفسي بحلقة علم عند مرب فاضل يأخذ بيد إلى طريق الحق وإلى الصراط المستقيم، الدين أن أزكي نفسي وأطهرها من الذنوب والآثام، الدين أن أعفو وأصفح وأسامح وأسالم، ديننا بحر واسع لا تقيده بأنك تصلي فقط ، ومن ثم تقول لا أجد السعادة.

اقرأ في أسماء الله الحسنى وشرحها، لتتقرب من الله أكثر، وتحب الله أكثر فأكثر، حينها سيصفو قلبك ويرضى.

أسأل الله أن يرزقك قلبا راضيا ولسانا شاكرا اللهم آمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات