السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فتاة، عمري 23 عاما، غير متزوجة، وسؤالي يتعلق بحقوق الزوجين، خاصة حق الزوجة على زوجها!
ملاحظة قبل القراءة: أنا لست مع طرف ضد طرف، ولا أتحيز للمرأة، ولكن أريد جوابا بالأدلة يقنعني بعيدا عن أي تحيز (للطرفين على حد سواء)، وأتمنى أن يجيب عن سؤالي -إن أمكن- امرأة ورجل من الدكاترة الأفاضل.
السؤال: هل من الخطأ رفع المرأة صوتها على زوجها؟ ولماذا؟
-المرأة إنسان كالرجل تماما تغضب وتهدأ، تسر وتحزن .. الخ، بل بالعكس لديها تبدلات هرمونية دائمة، وتستطيع السيطرة عليها كما تعلمون طبعا، النسوة مختلفات منهن اللينة الهادئة، ومنهن الانفعالية والنشيطة، وأيضا هناك نساء عصبيات، يتعرضن لضغوطات كثيرة في المنزل من الزوج والأولاد وخارج المنزل، لماذا على المرأة ضبط غضبها وامتصاصه لكي لا يعلو صوتها على زوجها عند أي خلاف يحصل بينهما؟ لم لا يحدث العكس؟! ولم من غير المسموح أن ترفع صوتها أثناء حدوث مشكلة أو اختلاف بين الزوجين حتى لو كان الزوج هو المخطئ؟ أي إنسان غاضب ممكن أن يرفع صوته كرد فعل طبيعي غير قابل للتحكم، لم كل هذا التجريم للمرأة التي ترفع صوتها وتصيح في زوجها؟ لم العكس مسموح؟
- أليس الرجل هو كما يدعون أنه " العقل والمنطق"، والمرأة هي " العاطفة "؟ أليس من المنطقي في هذه الحالة أن (الشخص العقلاني) وأقصد به الرجل هو من يجب أن يستوعب ويمتص انفعال (الشخص العاطفي) وأقصد هنا المرأة؟ لماذا تطالبون المرأة بالعكس؟
طبعا والحق يجب أن يقال، هناك نساء وقحات وشريرات أبعدنا الله عنهن بل في حالتهن الرجل هو ضحية لسوء أدبهن الغير مبرر في كثير من الأوقات، ولكن أحيانا مع صلاح الزوجة ترى رجال يعاملون زوجاتهم بشكل فظ واستفزازي كنوع من التسلية.
- النقطة الثالثة: ما سر الزواج الناجح الذي يكون فيه رضى الطرفين؟ وهل السر أن تكون المرأة عقلانية أكثر، أم أن يكون الرجل متفهما أكثر وعلى اطلاع برغبات المرأة واحتياجاتها النفسية؟
- السؤال الأخير: يأتيني العديد من الخطاب، وأحيانا قبل أن نتقدم في الموضوع أرفض الخاطب من خلال رؤية صورته في الهاتف المحمول أو على الفيسبوك، وأشعر دائما أنني لا أستطيع تقبل الخاطب أو أن أنظر في وجهه، إلا عدد قليل جدا من الخطاب الذين يأتون، فهل أنا مخطئة؟ وكيف أختار من يتقدم لي خاصة أنني في الغربة والخطبة صعبة؟
أنا في سن الزواج، وتؤرقني هذه الأمور دائما، ولا أستطيع رؤية الطريق الصحيح، خاصة أنني عصبية ولا أحتمل أن يستفزني أحد، وأحيانا أشعر أن فكرة الزواج فاشلة جدا، حيث لا أحد يحتمل أخطاء أحد، وخصوصا بعد مضي وقت طويل في العلاقة بعد سيطرة الروتين.
أرى قضية الزواج سلبياتها أكثر من إيجابياتها، خصوصها للمرأة فهي تربي وتنظف، وتتحتمل زوجها الذي لا يراعيها بشيء ولا يقدر هذا الجهد الرهيب في التربية والعناية بمنزل كبير مليء بالتفاصيل، وفوق كل هذا فبعض النساء يسارعن إلى إرضاء أزواجهن مع أن الخطأ من الزوج باعترافها هي والله إنني أتعجب!
فأنا أخاف أن أتزوج من رجل ليس لديه أخلاق، أو ليس لديه قدر من الصبر والرحمة كي يحتمل تقلبات مزاجي وشخصيتي القوية، وأفكر دائما في الحياة الزوجية، وبأنني لن أكمل العلاقة وأتطلق، أو أن أخلع زوجي ولا أحتمل العيش معه، أعلم أنني مخطئة فالحياة ليست هكذا.
أنا محتاجة للزواج كأي فتاة، ولكنني في تخبط دائم، لا أعلم ما الصواب؟ وأتمنى أن ترشدونني فأنا ضائعة، وأعتذر عن فظاظتي في بعض الكلمات.
أدعو الله أن يرزقني بزوج يحتويني ويساعدني على التخلص من عاداتي السلبية، بدلا من أن يفاقمها بتصرفاته.
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Aisha حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الفاضلة- وردا على استشارتك أقول:
ينبغي أن نتفق أولا أن لكل من الزوجين حقوق وواجبات وأن حق الزوج أعظم كما قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ۚ وللرجال عليهن درجة ۗ والله عزيز حكيم)، وقوله: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم علىٰ بعض وبما أنفقوا من أموالهم).
التحلي بالآداب والخلق القويم مطالب به الرجل والمرأة على حد سواء، ولا يستثنى أحد من ذلك، فرفع الصوت والصراخ مرفوض من الجانبين، ولكنه قد تعتري أحد الجانبين أحوال فيغضب وينتج عن ذلك رفع الصوت، ولذلك ينبغي للجانب الآخر أن يقدر ذلك الظرف وألا يقابل السوء بسوء مثله ،بل عليه أن يمتص غضب الطرف الآخر أو يخرج من ذلك المكان كي تهدأ العاصفة، ومن ثم يعالج المسألة بهدوء ورفق وحكمة، فمعالجة المشكلة وقت الغضب تعني صب الزيت في النار، ولذلك امتنع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مخاطبة الغضبان حين رآه قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه، ولكنه قال لبعض الصحابة إنني لأعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الحديث.
الغضب خلق ذميم، ولا شك وهو رأس المشاكل وأمها، ولا يمدح الغضب إلا إذا كان لله تعالى إن انتهكت حرمات الله، ولما جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له أوصني قال له لا تغضب فردد مرارا فقال لا تغضب، فعودي نفسك على الابتعاد عن الغضب وكضم الغيض، والحلم بالتحلم كما قال عليه الصلاة والسلام.
نحن نوصي المرأة بالصبر على زوجها كونها أقدر على الصبر، وبالمقابل فإننا نوصي كذلك الرجل بالصبر على زوجته وعلى سلوكياتها.
نوصي كلا الزوجين بغض الطرف عن كثير من الأخطاء والهفوات والسلوكيات، فالحياة لا تقوم بالمحاسبة الشديدة على كل صغيرة وكبيرة، ولكنها تقوم على غض الطرف، فغض الطرف خلق كريم يندر من يتحلى به في هذه الأزمنة المتأخرة وهذا الخلق كان من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقول تعالى:(وإذ أسر النبي إلىٰ بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض ۖ)، وهذا يوسف عليه السلام حين قال إخوته: (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل)، قال الله عنه: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) أي لم يحاسبهم على تلك الكلمة.
للحياة الزوجية الناجحة مقومات من أهمها:
- أن يكون الشريكان على دين وخلق كما وردت الأحاديث النبوية في ذلك.
- أن يفهم كل شريك مزاج الآخر، ويحترم مشاعره، ولا يتعمد جرحها، وأن يشعر كل شريك الآخر بالاهتمام والعناية.
- ألا يحافظ كل شريك على سر الحياة الزوجية ولا يفشيها، ولا يخرج مشاكل البيت إلى الخارج، بل يجتهدا في حلها فيما بينهما.
- أن يمدح كل شريك شريكه بين الأقارب والأصدقاء، فالمدح والثناء يقوي الروابط ويعزز القيم والسلوكيات.
- ألا يتحدث أي شريك عن سلبيات الآخر أمام الآخرين، وإنما يجتهد في معالجتها بنفسه برفق ولين وحكمة، ويسلك التدرج في ذلك ولا يطلب التغيير دفعة واحدة فذلك قد يكون محالا أحيانا.
- لا بد أن يعلم الشريكان أنه لا يوجد زوجان متطابقان في كل شيء، بل لا بد من وجود فوارق واختلافات، فالبيئة التي نشأ فيها كل شريك مختلفة تماما عن بيئة الآخر.
- الاختلاف بين الشريكين ليس عيبا بل هو أمر فطري وظاهرة صحية، ولكن الخطأ يحدث في إدارة ذلك الاختلاف فينتج عن ذلك مشاكل كبيرة؛ لأن كل شريك يريد أن يفرض رغبته، فالعاقل من يقدم التنازلات عن بعض الرغبات لتحقيق ما هوم أهم من ذلك، وهو بقاء المحبة واستقرار الحياة، لأن ذلك مقصد من مقاصد الزواج.
- التزام الصدق والوضوح، والابتعاد عن الكذب؛ لأن الكذب من مفسدات العلاقة الزوجية.
- تجديد الحياة اليومية والابتعاد عن الروتينية والرتابة من الأمور الهامة في تجديد روح المحبة، فكون المرأة تعمل مفاجأة لزوجها كتغيير وضعيات أثاث البيت وخاصة غرفة النوم، أو تعمل سهرة في ليلة الإجازة فترتب لها ترتيبا جيدا، والزوج يقدم لزوجته هدية رمزية، أو يرتب لها عشاء في مطعم خارج البيت، أو يأخذها في نزهة وما شاكل ذلك.
- أن يسأل كل شريك شريكه ما يحبه فيعمله وما يكرهه فيبتعد عنه، وألا يكرر الوقوع في الأخطاء التي أغضبت شريكه.
- أن يثني كل شريك على ما يقدمه شريكه وخاصة الرجل فإن المرأة تحب المدح المفصل بخلاف الرجل، فإنه قد يكتفي في المدح المجمل.
يبدو أن لديك نظرة سوداوية عن الزواج ولذلك فأنت متشائمة منه، وربما عايشت مشاكل بعض الأسر فتعمقت لديك هذه النظرة، والحقيقة أن السعداء في الحياة الزوجية كثيرون جدا، والحيات لا تخلو من المنغصات، ولو كانت تخلو منها لخلت لأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام فهم أكرم الخلق عند الله.
رفض الخطاب لا بد أن يكون له مبرراته القوية، أما الرفض المطلق فليس مقبولا؛ لأنه يخشى أن تعاقب المرأة على ذلك فتندم في وقت لا ينفع فيه الندم.
أهم صفة في الزوج أن يكون على دين وخلق، وبقية الصفات تكون تبعا لذلك، وعليك بعد توفر الصفات أن تصلي صلاة الاستخارة وتدعي بالدعاء المأثور فمن وكل أمره لله يختار له ما يشاء فلن يخذله الله إذ إن اختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.
بعد صلاة الاستخارة انظري كيف ستسير مجريات الأمور فإن سارت بيسر وسهولة فهذا يعني أن الله اختار ذلك الشخص ليكون زوجا لك، وإن تعسرت وانسدت الأبواب فذلك دليل أن الله صرفه عنك وصرفك عنه لحكمة يعلمها الله.
كل شريك له وظائف معينة، ولا بد أن يتحملها ويحتسب الأجر عند الله، فمن نوى النية الحسنة فيما يقوم به من أعمال تحلت أعماله العادية إلى عبادة يؤجر عليها يدل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وابتسامتك في وجه أخيك صدقة حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك لك فيها صدقة وفي بضع أحدكم صدقة (يعني مجامعة الرجل لزوجته)، حتى قال رجل يا رسول الله يأتي أحدنا امرأته ويكون له في ذلك أجر فقال: أرأيت لو أنه وضعها في الحرام أكان عليه وزر قال نعم قال فكذلك إذا وضعها في الحلال له في ذلك أجر.
الزوج كذلك يتعب في تحصيل الرزق فهو المسئول في الإسلام عن النفقة وكل متطلبات الأسرة، والمرأة ليست مطالبة بشيء من ذلك اللهم إلا إن تبرعت بشيء من طيب نفسها.
كوني متفائلة، فالتفاؤل يبعث على الأمل، ويشرح الصدر، ويفتح الآفاق، والتشاؤم يضيق الصدر، ويغير المزاج، ويجعل الحياة مظلمة.
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكف همك ويغفر ذنبك).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم، وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
كل شيء في هذه الحياة يجري وفق قضاء الله وقدره، ولن يستطيع الإنسان أن يتحكم بذلك، وإنما عليه أن يعمل بالأسباب الشرعية يقول تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
الإيمان بالقضاء والقدر يريح القلب ويطمئن النفس، والتضجر وعدم الرضاء يجلب سخط الله، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) فعليك دائما أن ترضي بقضاء الله وقدره وحذار أن تتسخطي وإلا فالجزاء من جنس العمل.
فلتظني بالله خيرا ولا تظني به شرا، فللإنسان ما ظن بربه، ففي الحديث القدسي يقول الله جل وعلا: (أنا عند ظن عبدي بي ، إن ظن خيرا فله ، وإن ظن شرا فله).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يرزقك بالزوج الصالح الذي يسعدك في هذه الحياة ويتفهم مشاعرك، ويتغافل عن هفواتك، والله الموفق.