السؤال
السلام عليكم
أنا فتاة عاطفية جدا، وملتزمة، وأدخل في برامج علم شرعي، لكن مشكلتي الحساسية المفرطة، وقد تعلقت منذ القدم بصديقة لي ولا زلت، وكانت تسيء إلي وتتركني بلا سبب، ثم أعود وأذل نفسي لأعيد العلاقة بيننا، وكانت تعود لفعلها وأعود لاسترجاع العلاقة بها، لكني سئمت من ذلك، وبعد أن تعبت من ذلك وعاتبتها لم تعد تحدثني، فعزمت على تركها، وتركتها فعلا، لكنها لم تحاول العودة إلي أو محادثتي، وأشعر أني ما زلت أتعلق بها، فما هي الخطوات التي يجب علي اتباعها للتخلص من هذا التعلق؟ لأني أشعر أنه مرضي، وأنه واجب علي عدم التعلق إلا بالله.
علما أني أشعر بنقص عاطفي منذ صغري؛ لأني لم أشعر بالحنان من أحد، رغم وجود أبي وأمي حولي، لكني وحيدة ليس لي من يقدر قيمتي ويحبني، ودائمة البحث عمن يحبني.
ساعدوني، جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى الأحم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا شك أن الشعور بعاطفة الآخرين أمر مهم في الحياة، وإذا أردت أن تكون هذه العاطفة حية في قلوب الآخرين نحوك محبة وأنسا؛ فعليك أن تبدئي بالحب والعطف عليهم، من خلال الابتسامة في وجوههم، والسؤال عنهم، والإحسان إليهم، والإهداء لهم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) رواه البخاري في كتابه "الأدب المفرد" فالهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحث عليه خلفاؤهم الأولياء، تؤلف القلوب، وتنفي السخائم -الحقد في النفس- وتعطف بقلوب الناس نحوك، كما أن عليك تقوية الإيمان بالله تعالى، والمسارعة للعمل الصالح، قال تعالى: "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمٰن ودا" [سورة مريم اية ٩٦]. قال ابن سعدي عند تفسير الآية:" هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، أن وعدهم أنه يجعل لهم ودا، أي: محبة وودادا في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض، وإذا كان لهم في القلوب ود تيسر لهم كثير من أمورهم وحصل لهم من الخيرات والدعوات والإرشاد والقبول والإمامة ما حصل، ولهذا ورد في الحديث الصحيح: "إن الله إذا أحب عبدا، نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض" وإنما جعل الله لهم ودا؛ لأنهم ودوه، فوددهم إلى أوليائه وأحبابه".
كما أن الإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام أيضا أمر مهم، وعلى قدر عطفك عليهم يحصل لك عطف من الآخرين نحوك، وقد دل الواقع والمشاهدة أن من لا يرحم الناس ولا يعطف عليهم إذا صادف موقفا يحتاج فيه إلى رحمتهم، فإنهم لا يرحمونه ولا يعطفون عليه، وقد ذكر أن محمد بن عبد الملك كان يقول: الرحمة خور في الطبيعة، وضعف في المنة، ما رحمت شيئا قط. فكانوا يطعنون عليه في دينه بهذا القول، فلما وضع في الثقل والحديد قال: ارحموني فقالوا له: وهل رحمت شيئا قط فترحم؟ هذه شهادتك على نفسك وحكمك عليها.
أكثري من الدعاء أن يجعل لك في قلوب الآخرين ودا؛ كما كان الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه حريصا على ذلك، فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له أن يحببه هو وأمه إلى المؤمنين، ويحبب المؤمنين إليهم، فقال: ((يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم حبب عبيدك هذا -يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين. فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني)) رواه مسلم (2491)..
أما تلك الصديقة التي تحبين قربها منك، وهي لا تحب ذلك، أو أنها تسيء إليك؛ فهذا تحتاج إلى جلسة نصيحة معها حتى تبادلك نفس الشعور والمحبة التي تكنين لها، ويمكن أن تدعي الله أن يؤلف بين قلبك وقلبها، فإن تحسن حالها وأحسنت في معاملتك فالحمد لله، وإن ظلت على ما هي عليه، فالأولى أن لا تحرصي على صداقتها؛ لأنه لا فائدة من ذلك، وابحثي عن غيرها، وستجدين من هي خير منها، فعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) رواه أحمد، قال المناوي في شرح الحديث قوله: ((المؤمن يألف)) لحسن أخلاقه وسهولة طباعه ولين جانبه. ((ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف))لضعف إيمانه، وعسر أخلاقه، وسوء طباعه" وإذا قطعت العلاقة معها فلا بأس أن يكون منك سؤال عنها ومؤاساة لها بين فترة وأخرى؛ لأن هذا من حق المسلم على المسلم.
أخيرا: الاعتدال في العاطفة مطلوب شرعا وعقلا، والإفراط فيها والتحسس الزائد من تصرفات الآخرين يجلب الهم للنفس ويقطع المودة مع الخلق، وأنت ذكرت عن نفسك أن لديك حساسية مفرطة، وقد لا تتحملين بعض التصرفات التي تظنين أن فيها إساءة لك، وقد لا تكون كذلك، ولهذا وحتى تنضبط لديك العاطفة، عليك بأن تعرفي أن الذي حولك هم بشر يصيبون ويخطئون، وإذا جاء منهم الخطأ نحوك فعليك بالمسامحة والعفو، كما أن عليك التغاضي عن الزلات وكأنها لم تحصل منهم.
كما قال الشاعر:
وكنت إذا الصديق أراد غيظي وشرقني على ظمأ بريقي
غفرت ذنوبه وكظمت غيظي مخافة أن أعيش بلا صديق.
أصلح الله حالك، ورزقك مودة في قلوب عباده الصالحين.