السؤال
السلام عليكم.
انصحوني جزاكم الله خيرا، لدي مشكلة في مداومة الخير واغتر بسرعة، مثلا: أقوم بعمل جيد أو خير أفرح جدا وأفتخر كأني ملكت الجنة بهذا العمل، ومحوت كل ذنوبي، فأذنب بعدها أو يصيبني خمول، لا أفعل خيرا لفترة، أتضايق من هذا الطبع، وأخسر كثير من الوقت أكون فيه مغترة بنفسي، وأعود مرة أخرى أريد أن أداوم على الخير، أبقى لفترة قصيرة وأتوقف ثانية.
المشكلة تكون أشياء بسيطة، والكل يفعلها ويداوم عليها بشكل طبيعي، وأنا أحسبها كبيرة وأفتخر بها، ماذا أفعل؟ أرجوكم ضاع عمري وأنا لا أعرف أن أضبط نفسي، كيف أقلل من غروري وتكبري؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بداية ندعو لك بالاستمرار على الطاعة، وأن يرزقك الله حسن العمل، والجواب على ما ذكرت:
ينبغي أن تعلمي -أختي الكريمة- بأن الإنسان المؤمن والمرأة الصالحة إذا عمل عملا صالحا فإن عليه أن لا يعجب بعمله ولا يتكبر بسببه على الخلق، بل عليه أن يحمد الله، وأن يتواضع للآخرين؛ فإن العجب والكبر من كبائر الذنوب، وقد تؤدي إلى إحباط العمل الصالح، ولأن الله هو الذي هدانا ووفقنا للعمل الصالح، فعلينا أن لا نعجب بعملنا، وقد ذكر الغزالي -رحمه الله- تعريف العجب فقال: (العجب: هو استعظام النعمة، والركون إليها، مع نسيان إضافتها إلى المنعم)((إحياء علوم الدين)) ٣/ ٣٧١)، و قال أبو العباس القرطبي: (إعجاب الرجل بنفسه هو ملاحظته لها بعين الكمال، والاستحسان، مع نسيان منة الله تعالى)، ولا شك ان العجب له أسباب وينبغي التعرف على أسبابه والسعي للخلاص منها.
من تلك الأسباب:
1- جهل المرء بحقيقة نفسه وغفلته عنها، فنفسه ضعيفة عاجزة جاهلة لولا لطف الله به الذي وفقه للعمل الصالح.
2- ومما يوصل الإنسان إلى العجب بنفسه، مقارنته لنفسه بمن هو دونه في العمل والفضل، واعتقاده أن الناس هلكى بالذنوب والمعاصي، وأنه على خير كبير إذا قورن بغيره.
3- الاغترار بالنعمة والركون إليها، مع نسيان ذكر المنعم تبارك وتعالى.
4- النشأة والتربية، فقد ينشأ الإنسان في بيئة غلب عليها طبع العجب والكبر فيتأثر بها.
5- التمتع بصفة أو مزية تجعله يتميز عن غيره فيها، سواء كانت هذه الصفة اضطرارية كالجمال، أو فصاحة اللسان، أو النسب، أو العشيرة، أو المال والبنين، أو غيرها، أو كانت تلك الصفة اختيارية، كالعلم، والطاعة، والإقدام، وغيرها.
6- المبالغة في التوقير، والاحترام، من الأتباع، وفي ذلك قاصمة ظهر للمتبوع.
7- قلة الورع، والتقوى، وضعف المراقبة لله عز وجل.
ونصيحة يمكن أن ننصحك به للخلاص من العجب ولزوم التواضع يكمن في الآتي:
1- معرفة أدلة تحريم العجب، قال تعالى: " ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها" [الإسراء: 37-38]، يقول العز بن عبد السلام: (زجره عن التطاول الذي لا يدرك به غرضا، أو يريد: كما أنك لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولا، فلذلك لا تبلغ ما تريده بكبرك وعجبك، إياسا له من بلوغ إرادته) ((تفسير العز بن عبد السلام)) (2/219)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((بينا رجل يمشي في حلة، تعجبه نفسه، مرجل جمته. إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة))رواه البخاري (5789)، ومسلم (2088).
2- فإن من أعجب بما عليه من الخير عليه أن يتفكر في معاصيه، يقول ابن حزم: "وإن أعجبت بخيرك، فتفكر في معاصيك، وتقصيرك، وفي معايبك ووجوهها، فوالله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك، ويعفي على حسناتك، فليطل همك حينئذ من ذلك، وأبدل من العجب تنقيصا لنفسك، ويقول ابن القيم: (لا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس)((الفوائد)) (ص 152).
3- والوصية الأخيرة: فإنه ينبغي أن يعلم أن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قد حذرنا من عاقبة العجب بالعمل، وأن صاحبه في هلاك يوم القيامة، فقال لن يدخل أحدا عمله الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة " رواه البخاري برقم 5673، فمن الحديث نعلم بأن الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة، كما قال تعالى:" ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون" [النحل: 32]، ولكن التوفيق للأعمال الصالحة وقبولها والإثابة عليها بفضل الله ورحمته، ولهذا فعلينا ترك العجب والاستعاذة بالله منه.
وفقك الله لمرضاته.