السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا رجل أبلغ من العمر 40 سنة، متزوج منذ سنتين، رزقت بولدين توأم، زوجتي تعاني من اضطرابات نفسية حادة، خاصة بعد الزواج، عذرا سأسرد بعض التفاصيل حتى تفهموا الحالة جيدا.
تعرفت على زوجتي في صيف 2015، وخطبتها من أهلها، وشرعت في تجهيز الزواج، لكن حصل خلاف جعلني أراجع نفسي، وفكرت في الانفصال عنها، لكنها مرضت وساءت حالتها، وتم أخذها للمستشفى، وأصبحت تهذي باسمي، اتصل أفراد عائلتها بي وذهبت لزيارتها، كدت لا أعرفها من الوهلة الأولى، تغيرت كثيرا خلال اليومين من جراء المرض.
تعافت بعدها وأصلحنا الخلاف وتزوجنا في صيف 2016، قبل الزواج حدثتني عن حالها مع المرض الذي كان معها منذ سنة 2011، وكيف كانت تتخيل أو ترى شخصا يتحدث معها، ويطلب منها أفعالا مشينة، مثل: مغادرة المنزل، والنوم في الشمس، ونزع ملابسها أمام والدها.. إلخ، أخذها أهلها إلى الطبيب النفسي، وأعطاها حبوب (olanza)، تستعملها يوميا، وأضافت بأنها تشعر بالخوف من الفشل في العمل، وتشعر أنها غير قادرة على إتمام أطروحة الدكتوراه التي هي بصدد إنجازها، وأنا ساعدتها على تجاوز ذلك، وفي رفع معنوياتها، ولم أطلب منها عمل أي شيء.
تزوجنا وسافرنا إلى العاصمة مكان عملي، وبعد شهر من الزواج حملت، وخلال هذه الفترة كانت الأمور عادية، بعد الإنجاب كانت حالتها عادية، وكانت تساعدها والدتها مع والدتي في الاعتناء بالأبناء خلال الشهر الأول، وبعد ذلك عدن إلى منازلهن، والتي تقع على بعد 560 كم، وبقيت مع زوجتي بمفردنا، واكتشفت أنها لا تستطيع الاعتناء جيدا بالأولاد طوال اليوم، فكنت أساعدها وأعتني بهم عند العودة من العمل، ومكان عملي قريب من المنزل.
عندما بلغ الأولاد عمر خمسة أشهر، لم تعد تستطيع الاعتناء بهم، حتى في فترة النهار، واضطررت إلى أخذها لمدينتنا الأصلية إلى منزل والدي ووالديها، تارة تجلس عند أهلها، وتارة عند أهلي، والكل يساعدها، فأنا لا أستطيع الاعتناء بالأبناء طوال اليوم، أحيانا تسوء حالها وتصاب بالاكتئاب وتفكر في الانتحار، وحاولت أكثر من مرة الانتحار.
أصبح التوأم بعمر عشرة أشهر، وزوجتي حالتها تسوء يوما بعد يوم، وأنا أعيش بمفردي بعيدا عن عائلتي، أصبت بالوسوسة، وفي حالة ضعف ذهبت إلى رجل يقال إنه يعالج بالرقية الشرعية، وهي أول مرة أذهب فيها إلى هؤلاء، سألني عن اسمي واسم والدي وجدي، وكذلك اسم الزوجة ووالدها وجدها، وقال إنه سيصلي الاستخارة ليكشف الداء الذي أصابني.
عدت للراقي باليوم التالي، وقال إنني مصاب بعين من الأنس، وعين من الجن، ومسحور، وزوجتي مصابة بعين من الأنس، ومسحورة، وشربت من السحر وأكلت، والعلاج عبارة عن زيت وماء نشتريه من عنده، وطلب الحضور في جلسات الرقية الجماعية أو الرقية الخاصة.
سؤالي: هل هذا الكلام صحيح؟ فأنا أعتقد أن السحر لا يدوم، والعين حق، ولكن لا أعرف علاجها، وهل ما أصابني بفعل العين أو السحر أم ماذا؟ أرشدوني إلى الصواب، فأنا مشتت الأفكار، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
جزاك الله خيرا على ثقتك في استشارات الشبكة الإسلامية، وعرض مشكلة -زوجتك الكريمة-.
مما ذكرته ومن خلال وصفك الدقيق يتضح بالفعل أن زوجتك مصابة بعلة نفسية نستطيع أن نقول إنها من العلل الرئيسية نسبيا، وأنت -جزاك الله خيرا- تسعى الآن لمساعدتها، والحفاظ على الزواج، وتربية الأبناء بصورة جيدة بقدر المستطاع.
أخي الكريم: قطعا زوجتك تحتاج لرعاية طبية نفسية، وتحتاج لمعاونة، معاونة من الأهل ومنك، والاستمرار على العلاج الدوائي مهم، ومهم جدا، والآن الانتكاسة التي تعاني منها يمكن أن تعالج بصورة فاعلة جدا، فقد تكون محتاجة لأحد محسنات المزاج، وذلك بجانب علاج أولانز الذي تتناوله، وعلاج أولانز هو أحد الأدوية الرئيسية المضادة للذهان، والذي يؤدي أيضا إلى الاستقرار المزاجي.
أخي: الذهاب بها إلى الطبيب النفسي سيكون أمرا ضروريا ما دامت هي تتحدث عن الانتحار، هذا المرض في بعض الأحيان يجعل الإنسان يفتقد البصيرة، والارتباط بالواقع، مما يجعل المريض لا يقدر فداحة أفعاله، ونحن الذين نقدر فداحة هذه الأفعال، وبما أن الله تعالى قد حبانا بالعقل والمقدرة فيجب أن نساعدها، فيجب أن يذهب بها إلى الطبيب النفسي، و-إن شاء الله تعالى- تعطى علاجا إضافيا يساعدها كثيرا في زوال هذه الأفكار، ومن جانبكم انقلوا لها رسائل إيجابية وطمئنوها، ويجب أن لا نجردها من دورها كزوجة وكأم، نعم هنالك نواقص، لكن دائما نشعرها بأنها إنسانة فعالة، ويرجى منها الكثير، هذا مهم جدا -أخي الكريم-.
أنا أرى أن عقار أولانزبين أو يسمى أولانزا يمكن أن يستبدل بدواء آخر، مثل الأريببرازوال، الأولانزا دواء رائع من ناحية العلاج، ولكنه يؤدي إلى زيادة في الوزن، والشعور بالتكاسل وعدم الفاعلية، فإن كانت الزوجة الفاضلة تعاني من هذا العرض أعتقد أنك يمكن أن تناقش هذا الموضوع مع الطبيب، حتى يقوم بتغيير الدواء.
بالنسبة -أخي الكريم- لموضوع الوسوسة التي تعاني منها، نسأل الله تعالى أن يزيل ذلك، وحاول أن تحقر الوسواس ولا تهتم به أبدا، ومن ناحية السببية، موضوع العين والسحر وما ذكره لك القارئ لا أعتقد أنه كلام دقيق، العين موجودة والسحر موجود وكل ذلك موجود، نحن نؤمن بذلك إيمانا يقينا وقطعيا، لكن لا أحد يستطيع أن يتحدث عن طبيعة هذا الأشياء بالدقة التي ذكرت لك أبدا.
الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو خير خلق الله، حين سحر كان يشعر أن هنالك تغيرات عظيمة قد طرأت عليه، لكنه لم يعلم يقينا أن ذلك سببه السحر إلا بعد أن أتاه الوحي، و-يا أخي الكريم- الرقية الشرعية والمحافظة على الصلاة والأذكار من وجهة نظري تكفي تماما والله خير حافظا، يجب أن لا نحمل هذا الموضوع أكثر من ذلك.
أنا أرى أن علة زوجتك هي علة طبية ولا شك في ذلك، وحتى إن وجد سحر أو عين أو خلافه، فحين يذكر الله ويقرأ على الإنسان سوف تذهب -كما ذكرت- وهي لا تدوم، لكنها قد تترك آثارا طبية بيولوجية كيميائية، وهذه هي التي يجب أن نعالجها عن طريق الأدوية، فدع زوجتك تستمر في علاجها، وأنت حاول أن تتجاهل هذه الوساوس.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
_________________________________
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، تليها إجابة د. عقيل المقطري، مستشار العلاقات الأسرية والتربوية:
فمرحبا بك أخي الكريم وردا على استشارتك أقول: سأبدأ من كلام هذا الشخص الذي قلت إنه يرقي من العين والسحر، فأقول: إن هذا الشخص يسلك طريقا منحرفا عن الطريق السوي في رقية المريض فلا يطلب اسم الوالدين ولا اسم غيرهم إلا المشعوذون الدجالون، وقوله: إنه سيصلي صلاة الاستخارة ليستكشف المرض دجل، لأن اكتشاف الإصابة من عدمها لا تكون بتلك الطريقة، بل تعرف من خلال الأعراض، أو من خلال الرقية المباشرة فتظهر تلك الأعراض.
تلك التفاصيل التي تكلم بها من أنك مصاب بعين من الأنس، وعين من الجن، ومسحور، وأن زوجتك مصابة بعين من الأنس، ومسحورة، وشربت من السحر وأكلت، تهويل وتخويف لإيقاعكم في فخه لأكل أموالكم من خلال الجلسات التي طلبها سواء العامة أو الخاصة، والخاصة بالطبع غالية الثمن، وكذلك شراء الماء والزيت المرقيين من عنده.
لست بحاجة للذهاب إلى أي شخص، بل عليك أن تقوم برقية زوجتك بنفسك، وذلك أن تقرأ عليها سورة الفاتحة والمعوذتين وآية الكرسي والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وغير ذلك، ويمكنك لتعرف على ما يقرأ أثناء الرقية من أي كتاب موثوق أو موقع إلكتروني موثوق، وإن عجزت عن ذلك فابحث عن راق أمين وثقة يشهد له الناس بالأمانة والنزاهة، وليس من الناس الذي يتاجرون في هذه القضية.
السحر قد يفضي بالإنسان إلى الانتحار نتيجة للتخيلات المرعبة التي يراها المسحور، ولا نستطيع أن نجزم بأن فلانا مسحورا أو مصابا بالحسد إلا من خلال التعرف على تصرفاته.
قد تكون زوجتك مصابة بحالة نفسية، وحالتها تلك تسبب لها نفس أعراض السحر، ولذلك لابد أن تأخذ زوجتك إلى طبيب نفسي حاذق والذي سيقوم بدوره بتشخيص حالتها وإعطائها العلاج اللازم، وعليكم أن تساعدوها على استخدام الدواء بطريقة منتظمة، وألا تترك الدواء أو تخفضه بغير إذن من الطبيب.
لا بأس بأن تسلك الطريقين، الرقية من جهة، والعلاج بالعقاقير من جهة أخرى، فهذا من العمل بالأسباب التي أمرنا الشرع باتخاذها.
أكثروا لها من الدعاء، فالله سبحانه هو الشافي والمعافي، وأكثروا من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له) ومروها بالمحافظة على صلاتها، واجعلوها تستمع للقرآن الكريم، فلذلك أثر على نفسيتها وصحتها بإذن الله تعالى.
أوصيك أخي الحبيب أن تلزم الاستغفار، وتكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
عليك بالصبر والرضا بقضاء الله وقدره، فلعل وراء هذه المحنة منحة ربانية لك، يقول تعالى: (وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فالمؤمن مبتلى في هذه الحياة، وكلما كان إيمانه قويا زاد بلاؤه، فلقد سأل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة).
أوصيك أن توثق صلتك بالله تعالى وتجتهد في تقوية إيمانك، من خلال الإكثار من العمل الصالح، فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، يقول تعالى:(من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) فالمؤمن يتقلب بين أجري الصبر والشكر، ففي الحديث: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يشفي زوجتك، وأن يسعدك، إنه سميع مجيب.