عدم قدرتي على التعايش ومواجهة الناس يزعجني، أريد حلا.

0 162

السؤال

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
السلام عليكم.

أنا أعاني من ضعف في الشخصية، وفي التعامل مع الآخرين، أنا -ولله الحمد- بكامل إدراكي ووعيي بالصواب والخطأ، وأنا أرى نفسي بالمستوى الكافي من الذكاء والمعرفة، وأحب أن أستزيد منها، لكن يصعب علي التعامل مع الآخرين، خاصة من لم أستأنسهم.

عندما أرى ما يسوؤني من الغير تكون لي رغبة في نصحهم، لكن خوفي من أن أتشتت وأتلعثم في الكلام مما لن يجعلهم يأخذون بنصحي يجعلني أتراجع دائما، والتلعثم في الكلام أكثر ما أكرهه في نفسي، رغم أني واثقة أتم الثقة أن ما أقوله سيكون مقنعا وصحيحا، وأيضا واثقة أنه لو تكلمت بترجل وثقة سأقنع الطرف الثاني بما أقوله، إلا أنه أثناء ارتجالي وتحدثي مع من حولي -خاصة إن كانت مجموعة كبيرة- أرتبك وأتوتر وفي النهاية أنسى ما أود قوله، ويكون أكثر ما يشغل بالي هي أفكار فارغة، ويصبح كل همي مصبوبا على وجوه من هم أمامي.

وأنا على علم أن هذه المشكلة قد واجهت الكثير من الناس، وقد جعلت التقدم صعبا، لكني أحيانا أفكر أنه سيكون أسهل لي لو توقفت عن الدراسة كي لا أضطر لمواجهة هذا العدد الكبير.

أيضا أنا أخاف من بعض الأشخاص الذين تبدر منهم تصرفات سيئة، ولا أجرؤ على الاقتراب منهم، ودائما لو كان لي تعاملا معهم أحاول أن أنهي تعاملي بسرعة؛ حتى أذهب وأبتعد عنهم خشية أن أكون هدفا لقضاء وقتهم به أو لإزعاجه، لكن في قلبي أريد حقا مواجهة هؤلاء الأشخاص وإيقافهم عند حدهم، لكن ضعف شخصيتي وعدم قدرتي على إبداء ما أريد قوله يوقفني.

مع الأيام تفاقم الوضع، وأصبحت أكره الخروج من المنزل، الوقت الوحيد الذي أخرج به من المنزل هو عند ذهابي إلى المدرسة، ونادرا ما أغيب عنها.

أيضا دائما ما أرى أن وضعي الذي أعيش فيه أقل من أوضاع الغالبية، رغم ما نملكه من مال وفير، لكن رب الأسرة اهتمامه بوضعنا شبه معدوم، فقط يعمل ثم يعود لينام، ولا يعمل شيئا يفيدنا ويفيد المنزل.

أصبحت أكره الخروج للأسواق والمنتزهات والحدائق وإلى آخره من الأمور؛ لأني سئمت من رؤية من أوضاعهم أفضل مني، وأصبحت أكره التعامل مع الناس، بدأت أنغلق على نفسي، وحتى القريب أصبحت أبغضه.

أحيانا أفكر بأن مشكلتي تافهة نسبة لأوضاع غيري من الناس، خاصة من هم في فقر شديد أو لديهم أمراض مزمنة أو صعبة، لكن عندما أقارن وضعي بأوضاع مجتمعي، فلا أرى ظاهريا سوى أن حياتهم أفضل بكثير من حياتي، وأشك بأنها ليست كذلك حتى على الرغم من أني لا أعلم خفية الأمور، مع أنه لا يجب علي مقارنة أوضاعي بأوضاع الغير، لكني مللت منها وبدأت أسأم من عدم تغيرها أو تطورها للأفضل.

وأدعو الله الصبر والهداية لي ولكل المسلمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سبحان الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابنتي الكريمة- وردا على استشارتك أقول:

- الذي يظهر لي أنك شديدة الحياء وليس عندك ضعف في الشخصية، كونك لا زلت صغيرة لا تجرئين على انتقاد غيرك من الناس، وخاصة من يكبرك في السن.

- هنالك طرق عدة لإصلاح الخلل الذي ترينه من غيرك، ومنها أن تكتبي له النصيحة عبر رسالة نصية سواء عبر وسائل التواصل أو عبر هاتفه.

- الله هو مقسم الأرزاق لا اعتراض على حكمه، فهو أعلم بما يصلح عباده، فمن الناس من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقره لكفر، ومن الناس من لا يصلح له إلا الفقر ولو أغناه لطغى، ومن الناس من لا يصلح له إلا أن يكون وسطا بين الغنى والفقر، فلله الحكمة البالغة يقول تعالى: (أهم يقسمون رحمت ربك ۚ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ۚورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ۗورحمت ربك خير مما يجمعون).

- على المسلم أن يكون راضيا بما قدره الله وبما قسمه له، وأن ينظر في حال المقارنة إلى من هو أسفل منه ولا ينظر إلى من هو أعلى منه، فذلك أجدر أن يجعل المسلم يشكر الله ولا يزدري نعمة الله عليه، والرضا بما قسم الله للمسلم يجعله مطمئنا ويجعل صدره سليما، يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله).

- اقتربي من أسرتك وتحاوري معهم، وعليك أن تستفيدي مما ينشر في بعض المواقع النافعة عن فن الحوار، سواء المقروء أو المصور، ويمكنك الاستفادة من الدورات التي تقام في هذا المجال في بعض المراكز.

- الانعزال داء قاتل، ويتسبب للشخص بأمراض كثيرة، منها: الاكتئاب وبغض الناس والخوف منهم والوساوس القهرية، وغير ذلك، فاحذري من ذلك أشد الحذر.

- أنت تتوهمين أشياء غير موجودة في الواقع، مثل اعتقادك أن الناس ينظرون لك نظرة احتقار وانتقاص، والسبب في ذلك هو ترددك عن الكلام بأريحية نفسية وعفوية.

- إن كان عندك تلعثما في الكلام، فمن أنفع ما تعالجين به ذلك هو ألا ترجعي في الكلام إلى الوراء، وعودي لسانك على الانطلاق.

- لست أدري إن كان التلعثم يحصل لك عند كل حوار سواء عند تحدثك مع شخص، أم حين تريدين النصح والتوجيه، أو حين تكونين بين مجموعة من زميلاتك فقط.

- ترك الدراسة ليس حلا للمشكلة، وهذه من الوساوس الشيطانية التي تريد أن تبعدك عن الخير وتعزلك عن المجتمع؛ لتتمكن منك الوساوس بعد ذلك.

- الخوف من الأشخاص الذين يظهر عليهم الشر أمر طبيعي، ولست وحدك من يخاف من ذلك، وعليه فاحذري منهم، وأخذ الحيطة أمر واجب، فلو كانوا رجالا فليكن معك أحد محارمك حين تقضين حاجتك.

- اطلبوا جلسة من والدكم وتناقشوا معه حول الأمور التي تهمكم، ولتكن لكم جلسة دورية لمناقشة ذلك، فإن كان والدكم مشغولا في كسب الرزق ويأتي مجهدا من عمله لينام، فهذا لا يعفيكم أن تطلبوا منه جلسة للحوار ولو في أيام إجازته.

- أحيانا يغفل الوالد عن كثير من القضايا التي يحتاجها أفراد أسرته، في الوقت الذي يركز فيه الأبناء عن احتياجاتهم الشخصية والنفسية ويلقون اللوم على والدهم، ولم يعرفوا أنهم جزء من المشكلة.

- بعض الآباء تتركز اهتماماتهم حول معيشة أسرته ولا يلتفتون إلى الاحتياجات الأخرى، وهذا لا يعفيهم، بل المسؤولية لا تزال ملقاة في أعناقهم، لأن الاحتياجات النفسية والعاطفية لا تقل أهمية عن احتياجات المعيشة المرفهة.

- اجتهدي في التحصيل العلمي، وركزي جهدك في هذا الجانب، واتركي كل ما يشوش ذهنك ويضعف تحصيلك العلمي.

- أنصحك -ابنتي الكريمة- أن توثقي صلتك بالله تعالى وتجتهدي في تقوية إيمانك، فإن الأنس بالقرب من الله تعالى لا يوازيه شيء، لذلك قال بعض أهل العلم: (من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد).

- الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أعظم أسباب تفريج الهموم يقول عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

- أكثري من تلاوة القرآن الكريم وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات