السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بداية: شكرا لكم على كل ما تقدمونه في هذا الموقع الأكثر من رائع، وأسأل الله أن يكون حجة لكم لا عليكم.
مشكلتي بدأت في الثانوية العامة، كنت طالبة متفوقة على غير السنوات السابقة، لأنني لم أكن مكترثة بالدراسة سابقا، وأعتمد على ذكائي دون فتح الكتاب، علاماتي عالية دائما، إلى أن أتت الثانوية العامة، كان تقدمي ملحوظا وواضحا للجميع، كنت أدرس فعليا ولا أعلم إن كان ما حدث عين أو سحر أو حسد.
ما حدث أنني لم أتمكن من دراسة كتبي بوقت الامتحانات الفعلية، لم أعد أرى الأحرف في الكتاب، وأنام كثيرا، هذا كله لا يهم، نجحت وتفوقت، وبعد انهيار أعصابي قررت عدم الالتحاق بالجامعة، علمت بأنه لم يعد لدي أي قوة لخوض أي شيء، حصلت على معدل 97 دون دراسة.
درست الهندسة وهنا بدأت الكارثة، لا شيء يدخل عقلي، ولا أستطيع تنظيم نفسي، ومعدلي متدن، وكل من تعرف علي ولا يعرفني يحكم علي بالغباء، بخلاف السابق حيث كان يشهد لي بالذكاء، تأثرت نفسيتي كثيرا، خمس سنوات من الانهيار النفسي، أخفيت الأمر عن أهلي لكي لا أضيق عليهم، وتخرجت بمعدل متدن، وآثار هذا الفشل ما زالت تلاحقني. لم أتمكن من التقديم لأي وظيفة خوفا من الفشل، أكملت أربع سنوات بعد التخرج ولا أقوى على فعل شيء، حياتي مأساوية حرفيا، لا أجرؤ على الخروج حتى لا يسألني أحدهم إن كنت أعمل أو لا.
أخاف من الارتباط حتى لا يسألني شريك المستقبل لماذا لا أعمل؟ أو يسأل عن معدلي الجامعي.
إن كنت ستقترح علي في الإجابة بأن أتقدم إلى وظيفة ما، سأخبرك بأنني فعلت وتحديت نفسي، وخلال المقابلة عند رؤية شهادتي بيد من يقابلني أكاد أن أجن وأختنق، لا أستطيع أن أكمل، وأصاب بعدها بحالة اكتئاب فظيعة، لا أستطيع تخطي المقابلات فهي تهدني هدا، لذلك توقفت عن التقدم لأي عمل.
مؤمنة بقدراتي، وأنني قادرة على العمل، ولكن لا يمكنني تجاوز هذا الأمر.
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ترنيم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الفاضلة- وردا على استشارتك أقول:
من خلال قراءتي لاستشارتك تبين لي أن ما أصابك إنما هو بعد الانتهاء من الثانوية العامة بمعدل عال جدا.
مأساتك بحسب قولك بدأت من بداية الدراسة الجامعية، ولم يكن هنالك أي إصابة عضوية في تلك الأثناء، ما يعني أن إصابتك ليست حسية وإنما معنوية.
أكاد أجزم أنك قد أصبت بعين أو حسد، وذلك حق، كما بين ذلك ربنا جل في علاه بقوله: (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد).
من الفروق بين الحسد والعين، أن الحاسد قد يحسد غيره ويصيبه بالحسد حتى لو لم يره، وأما العائن فلا بد أن يرى من يصيبه بالعين.
ثبتت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإصابة بالعين، فمن ذلك ما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها قالت-: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني أن أسترقي من العين"، وأخرجه مسلم وغيره.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا)، وفي حديث أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين، أفنسترقي لهم؟ قال: (نعم، فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين).
وقال نبينا -عليه الصلاة والسلام- كما رواه مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه-: (العين تدخل الرجل القبر، وتدخل الجمل القدر).
وفي مسند الإمام أحمد عن سهل بن حنيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار -اسم موضع- من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقيل: يا رسول الله هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه، قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامرا فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه، هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت، ثم قال له: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفأ القدح وراءه ، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس.
أنصحك أن تبحثي عن راق أمين وثقة لتشخيص حالتك، فإن تبين أنك قد أصبت بالعين أو الحسد وكنت تتهمين أشخاصا محددين، فالعلاج الناجع في مثل هذه الحال أن يطلب منهم أن يغتسلوا كما مر في الحديث، وإن لم تكوني تتهمي أحدا بعينه، فعليك بالرقية حتى تبرئي -بإذن الله تعالى-، ويمكنك أن ترقي نفسك بما تيسر من الآيات القرآنية والأدعية المأثورة، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (لا رقية إلا من عين أو حمة)، والحمة اللدغة، وجاء جبريل يرقي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: (باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك).
الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أعظم أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسلي الله تعالى أن يرفع عنك ما تعانين، وأكثري من دعاء ذي النون، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك إنه سميع مجيب.