بسبب تتابع موت بعض قرابتي صار لدي قلق شديد!

0 70

السؤال

السلام عليكم
أشكركم على هذه الخدمة

مشكلتي القلق على فقد أحد من المقربين إلي، فأنا أسافر لاستكمال دراستي لمدة تتراوح بين شهرين وأربعة في كل عام.

منذ شهر توفيت أختي الكبرى وأنا في الخارج، وعدت فورا لأرض الوطن، ثم بعد أيام توفي خالي، وبعده بأيام معدودة توفيت خالتي، وأصبح القلق يسيطر علي أني سأفقد أحدا من عائلتي.

من المفترض أن أسافر بعد يومين، ولكن وصل القلق أني بدأت أوسوس بفقدان المقربين إلي، وفكرت أن أبقى ولا أسافر، ووجدت معارضة من أهلي.

أعلم أن الموت حق، وأنها نهاية كل من في الدنيا، وأنا أحاول التقرب إلى الله، لأني ابتعدت فترة، بمعنى أني فقدت الشعور بأداء العبادات، بسبب بعض المشاكل التي واجهتها في دراستي، ووصل الأمر إلى اعتقاد أن كل ما أمر به هو عقاب من الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Maso حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
الموت حق وآت على كل مخلوقات الله تعالى، يقول سبحانه: (كل نفس ذائقة الموت ۖ ثم إلينا ترجعون).

الآجال بيد الله، لا يطلع عليها غيره سبحانه، يقول تعالى: (ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولٰكن يؤخرهم إلىٰ أجل مسمى ۖ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ۖ ولا يستقدمون)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته).

سفرك وبقاؤك لن يقدم ولن يؤخر شيئا، فمارس حياتك بشكل اعتيادي، وسافر لقضاء حاجتك، وكن متوكلا على الله تعالى، مؤمنا بقضاء الله وقدره.

تفاءل بالخير تجده بإذن الله تعالى، فالتفاؤل مبدأ مهم في الحياة، ولذلك حثنا ديننا عليه، فمن النصوص التي تعلمنا وتحثنا على التفاؤل قول ربنا جل في علاه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علىٰ أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ۚ إن الله يغفر الذنوب جميعا ۚ إنه هو الغفور الرحيم) وقوله: (إن رحمت الله قريب من المحسنين).

من الأحاديث التي تحثنا على التفاؤل قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) وقوله: (إن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) وفي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا).

لقد كان التفاؤل سمة من سمات شخصية نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو أسوتنا وقدوتنا، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ومن صور التفاؤل وحسن الظن بالله ما جرى أثناء هجرته عليه الصلاة والسلام، إذ قال له أبو بكر رضي الله عنه حين دخلوا في الغار، وجاء المشركون يبحثون عنهما، ووصلوا إلى باب الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا! فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما).

لقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه التفاؤل، فعن خباب بن الأرت ـ رضي الله عنه ـ قال: ( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟، قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ).

كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن ويكره التشاؤم، روى الإمام أحمد في مسنده أنه: ( كان يحب الفأل الحسن، ويكره الطيرة). والطيرة: هي التشاؤم بالشيء. وعند مسلم: (... وأحب الفأل الصالح)، وعند البخاري: ( ويعجبني الفأل الصالح؛ الكلمة الحسنة).

لا تظن بالله إلا خيرا، ففي الحديث (إن الله جل وعلا يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله).

لا تنطق إلا بالخير فإن البلاء موكل بالمنطق ففي المثل يقال: (إن البلاء موكل بالمنطق) فآمل ألا يصدر منك إلا الكلام الطيب.

حين قال يعقوب لأبنائه: (وأخاف أن يأكله الذئب) ابتلي بأن أبناءه كادوا ليوسف وأتوه قائلين: (يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب).

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل يعوده، فقال: (لا بأس، طهور إن شاء الله)، فقال: "كلا، بل حمى تفور، على شيخ كبير، كيما تزيره القبور"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فنعم إذا).

يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى-: "فحفظ المنطق، وتخير الأسماء من توفيق الله للعبد.

كن على يقين أن الحياة كلها ابتلاء سواء بالخير أو الشر يقول تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة ۖ وإلينا ترجعون).

المؤمن يتقلب بين أجري الصبر والشكر يقول عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).

وثق صلتك بالله تعالى واجتهد في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من العمل الصالح، فالإيمان يورث في النفس الطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره.

المصائب تكفر الخطايا، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

إن أصبت بأي مصيبة فعليك أن تسترجع كما أرشدنا الله تعالى بقوله: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).

أكثر من تلاوة القرآن الكريم وحافظ على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

نسأل الله تعالى لك التوفيق، وأن يرزقك الطمأنينة ويدفع عنك ما تكره إنه سميع مجيب.

مواد ذات صلة

الاستشارات