السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة، أو ربما امرأة نسبة إلى عمري، اكملت 33 عاما بدون زواج أو أطفال أو وظيفة، أشعر بضيق وحزن شديدين للغاية، لم أشعر بحزن أكبر مما أنا فيه الآن، حتى أني أصبحت أتمنى الموت حقيقة؛ فالوحدة والشعور بالنقص يقتلاني ببطء، لا أجد للحياة طعما ولا فرحا ولا سعادة، حتى الأمور البسيطة التي كانت تسعدني أصبح لا معنى لها.
مررت بحالات فشل كثيرة خلال الأعوام العشرة الماضية، تعثرت في دراستي إلى أن أكملت البكالوريس منذ عام فقط، وفشلت في أمور خطبتي، ولم أجد نصيبي بأي طريقة، العمر يمضي، ورغبتي بأن أكون زوجة وأم تقتلني، والله الذي فطر السماء إني أشعر بقلبي يتفطر وينزف من شدة الحزن واليأس.
أتمنى الموت، أشعر بغضب شديد طوال الوقت، لدرجة أني أتمنى أن يؤذيني شيء بشدة لعله يخفف من غضبي وألمي النفسي.
لم أعد أطق الحياة والروتين والانتظار الذي لا نهاية له، عندما أرى حال من هم في عمري من البنات، يراودني شعور بأني منبوذة وكريهة من المجتمع، ولا أحد يرغب في كزوجة، الكل تخلى عني، والله الكل أعرض عني، أرجو من الله أن يهون علي مصيبتي، وأن يجعلني ألقاه وهو راض عني كل الرضا، ويعوضني بالجنة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فشعورك بالضيق والحزن بسبب تأخر الزواج، وكذلك شعورك بالوحدة الداخلية، وإحساسك بالوحشة والملل، وتمنيك للموت للتخلص من ذلك كله؛ يدل على ضعف في الإيمان بالقضاء والقدر، وتسخط على الله سبحانه وتعالى؛ لذا فالواجب عليك توطين نفسك على الرضى بما قدره الله لك بعد الأخذ بالأسباب التي تدفع تلك الأقدار، فإن الله سبحانه قدر الأقدار وربطها بمسبباتها، وأمرنا بالأخذ بالأسباب مع كمال التوكل والرضى بما قدر الله سبحانه.
وإذا حصل للعبد ابتلاء بتأخر الزواج أو الإصابة بما يكره فعليه بالصبر والاحتساب حتى يأجره الله على ذلك، وترك التسخط الذي لا فائدة منه إلا الإثم، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم.
وكذلك لابد أن تعلمي أن الهدف من الحياة أعظم من أن يكون متعة الزواج فقط؛ فإن تأخر الزواج سئمت الحياة! بل الحياة لها غاية عظيمة: فهي مزرعة للآخرة يستغلها العبد في تحصيل الأجور والحسنات، وفعل القربات والطاعات، والصبر على الابتلاءات.
ولا يجوز للإنسان تمني الموت لضر نزل به، أو يدعو على نفسه بالمصائب والأذى، بل عليه أن يدعو الله أن يرزقه العفو والعافية.
أما علاج مشكلة تأخر زواجك فننصحك بالآتي:
1- الصبر والاحتساب، والنظر إلى ما أعده الله من الأجر والثواب للصابرين على ما أصابهم من الابتلاءات، فتأخر زواجك ابتلاء، وصبرك على ذلك مع العفة والاستقامة على دين الله والبعد عن الحرام عمل عظيم تؤجرين عليه إن صبرت وأخلصت النية في ذلك.
2- الأخذ بالأسباب التي يمكن أن تعين على تحصيل الزواج وتيسير أمره، مثل البحث عن رفقة صالحة من الأخوات، وإقامة العلاقات مع تلك الأخوات الفاضلات الصالحات، فالرفقة الصالحة لها فوائد كثيرة منها:
- التعاون على الخير والبر والتقوى، والتشجيع على العمل الصالح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا – وشبك بين أصابعه) متفق عليه.
- إن هذا التعارف قد يثمر إرشادا إليك وتسهيلا للزواج بالدلالة عليك، فكم من لقاء أو تعارف مع بعض الأخوات الصالحات أثمر مصاهرة وزواجا بإذن الله تعالى، فإن هؤلاء الأخوات لهن الإخوة الصالحون وهؤلاء الأمهات لهن الأبناء الراغبون في الزواج، فمثل هذه العلاقات الاجتماعية لها دورها في تسهيل أسباب الزواج، فهو باب لابد من الحرص عليه وعدم إغفاله.
- كما أن هنالك فرصة لتسلية النفس واستجمامها ومؤانستها بالصحبة الصالحة، خاصة وأنت تعانين من الوحدة والهم والحزن، فهذه فوائد عظيمة وأسباب يمكن تحصيلها.
3- الحرص على المشاركة في الأنشطة الدعوية للتجمعات النسائية في حيك ومنطقتك، سواء كان ذلك بحضور الدروس والمحاضرات النسوية أو المشاركة في الأطباق الخيرية ونحوها من التجمعات الصالحة، وفوائدها هي عين الفوائد التي أشرنا إليها سابقا، مضافا إلى ذلك شعورك بالإنتاج والثمرة وأنك صاحبة هدف وغاية وعمل نافع، فيذهب عنك الهم والحزن وتنشغلي عنه بهذه الأنشطة النافعة عن الفراغ القاتل والخواطر السلبية.
4- لابد من التعاون في هذا الأمر من جهة أهلك وأقربائك، فما المانع أن يكون لأمك أو لأحد قريباتك مثلا دور في الإرشاد إليك عند من ترجو أن تخطبك لابنها، وما المانع أن يكون لوالدك أو إخوتك نفس الدور، ولا حرج في هذا، فالتلميح يغني عن التصريح، بل لا مانع من التصريح بهذا الأمر لمن يقدره وينزله منزلته.
5- لا بأس بالاستعانة بما يسمى في بعض البلدان (الخطابة)، وإبلاغها بالبحث لك عن زوج صالح بمقابل مالي، ولا حرج في ذلك شرعا ولا عرفا.
6- عليك بالدعاء والتضرع إلى الله؛ فهو الذي بيده الأمر، و ليكن دعاؤك واستعانتك بالله وتقربك منه هو أعظم سبيل لتحصيل الزوج الصالح، فإن من اتق الله سهل الله له الأمور، ويسر له السبل، ومهد له الطرق، قال تعالى: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب )[الطلاق:2-3]، وقال تعالى: ( ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا )[الطلاق:4]، لذا عليك أن تفزعي إلى الله وتلجئي إليه بكل اضطرار ولهفة، فقد قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )[النمل:62].
وكلما شعرت بثقل هذا الهم ووطأة هذه الحال فارفعي يديك مستغيثة بربك قائلة: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، وفرج كربتي، وهب لي من لدنك زوجا صالحا يقر عيني ويسره لي تيسيرا، فإنه لا سهل إلا ما جعلته سهلا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا.
فهذا دعاء مباح مشروع، وليس هنالك دعاء منصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم لتعجيل الزواج، فاجتهدي في الدعاء وفق حاجتك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء) رواه الترمذي.
ونسأل الله عز وجل أن يفرج كربك، وأن يزيل همك، وأن يشرح صدرك، وأن يهبك الزوج الصالح الذي يقر عينك والذرية الطيبة.
ويوفقك لما يحب ويرضى.