السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة متزوجة، ولدي طفلان -بفضل من الله-، قبل تقريبا 7 سنوات كنت أشاهد التلفاز، وإذا بصوت داخلي يسب الله عز وجل، ففزعت وكنت أحاول أن أخرج هذه الكلمات من رأسي، ولكني لم أستطع، وجلست أبكي في زاويه الغرفة كالمجنونة، أن الله لعنني وغضب مني، حتى اتصلت على شيخ، فقال: إني غير محاسبة على هذا الأمر. وكنت حقيقة لا أصلي حتى هذه السنة، ورجعت لي الأفكار هذه مرة أخرى، ولكن من العيار الثقيل، فكانت تتردد علي أفكار وتخيلات جنسية في الذات الإلهية، وهناك بعض الجمل تتردد في ذهني دون الإحساس بها، أي أنني لا أشعر بالخوف منها، تأتي وتذهب، ولكني أستعيذ الله منها، وأحاول طردها، إلى أن قررت أن أبدأ الصلاة هذه السنة، وكلما أقبلت على الصلاة أتتني الأفكار، وأخشى أن أكون بين يدي الله وأنا أقول في نفسي هذا الكلام، حتى أنني فضلت بأن لا أصلي إلى أن ولدت بابنتي، وخلال الأربعين كنت قلقة بشكل مفزع من أن أموت دون صلاة ودون ترتيب توبة بداخلي بسبب النفاس، علما بأنني لا أصلي من قبل، وانتهيت من الأربعين، وبدأت أصلي بلهفة واشتياق، حتى أتاني شعور اليأس بأني ملعونة ولا توبة لي، وأن صلاتي لا ينظر لها، وقررت أن أكسر حاجز الخوف بداخلي، وأبحث عن حالتي في النت، وأنا على اقتناع تام بأن ما فعلته لم يتجرأ أحد غيري على فعله، حتى وجدت ما يعطيني الأمل على أنني غير محاسبة على ما فكرت فيه بنفسي، وظللت أصلي وأعيش حياتي بفرح أن هناك أملا، وعاهدت نفسي أن أكفل يتيما كل شهر، وأعمل الخير مهما استصغرته، فلا أعلم أي حسنة ستدخلني الجنة، إلى أن جاءني وسواس آخر وأنا أغتسل.
هل أنا لم أنطق بهذه الأفكار؟ علما بأني كثيرة الكلام مع نفسي في أمور الحياة، ولا أعلم حقيقة هل رددت الكلام الذي دار في نفسي بصوت مسموع أم تحركت شفتاي به دون أن أعلم!! وأنا والله لا أذكر أن هذا حصل أو لم يحصل؛ لكثرة ما يتردد في نفسي، فأنا قلقة من أن تكون شفتاي نطقت به وأنا لا أشعر، ولأكثر من مرة دخلت في حالة اليأس. والله ثم والله إني أخاف اليوم الذي سأكون فيه وحدي داخل الحفرة، ومن اليوم الذي سأرى الله فيه، وماذا سيكون مصيري!
سؤالي بعد هذا كله: لو أنني رددت الكلام الذي دار في نفسي عن الله بصوت مسموع أو تحركت شفتاي به وأنا لا أشعر به، هل أحاسب عليه؟ وهل أحاسب على أنه أصبح لا يفزعني إلا بعد أن أقوله؟ علما بأن أول ما يأتي إلى نفسي أستغفر بجزع في البداية، ثم أستغفر فحسب دون الشعور بالذنب الكبير مما حدث؛ هذا لأنه يتردد كثيرا في نفسي، إلا أن قلبي ينقبض آخر اليوم، ويبدأ الصراع حول هذا الموضوع حتى أنام على قلق وخوف من الله ونهايتي ومصيري.
إلى كل من يمر هذه الصفحة دعواتك لي بالهداية. يا رب سترك وعفوك، ورضاك والجنة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ساره ناصر العمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك أختنا الكريمة، وردا على استشارتك أقول:
أنت تعانين من وسواس قهري، والوسواس كما تعلمين من الشيطان الرجيم، وهو من كيده، وكيده كما هو معلوم ضعيف، كما قال ربنا جل في علاه: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
الشيطان عدو لدود للإنسان، لكنه لا يقوى على المواجهة فيلجأ إلى الوسوسة، فمن صد تلك الوساوس بتجاهلها وتحقيرها وعدم التحاور أو التعاطي معها، واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم فور ورود تلك الوساوس، وذكر الله تعالى؛ خنس عنه الشيطان ونفض يديه، وقنع من إنسان بهذه الصفات والقوة، أما إن أبان الإنسان ضعفه بتقبل تلك الوساوس وتحاور معها؛ فإن الشيطان ينقض عليه؛ لأنه اكتشف ضعف هذا الإنسان، فانهال عليه بكثرة الوساوس وتنوعها؛ كل ذلك من أجل أن يجعل هذا الإنسان من حزبه ومن أصحاب السعير -عياذا بالله تعالى-.
الوساوس تأتي لكل واحد من بني آدم، وخاصة للمؤمنين، فقد جاء لأفضل هذه الأمة بعد نبيها، وهم أصحابه صلى الله عليه وسلم، فثبت في الحديث الصحيح أنه جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان).
وفي الحديث الآخر: أتى عثمان بن أبي العاص النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا. قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني).
من العلاجات الناجعة لهذه الوساوس ما أخبر به نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا ؟حتى يقول: من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته).
من رحمة الله بالإنسان أنه لا يؤاخذه بما وسوست به نفسه أو جال في خاطره، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم).
الشيطان هو الذي يحاول أن يشكك هل نطقت أم لا؟ فأنت في الحقيقة لم تنطقي فلا تلتفتي لخواطر الشيطان أبدا.
أظهري قوتك أمام الشيطان، ولا تضعفي، واعزمي على الانتصار عليه، واستعيني بالله ولا تعجزي.
استمري في أداء الصلاة، ولا تلتفتي لوساوس الشيطان؛ لأنه يريدك أن تتركي الصلاة، ويوسوس لك أن الحل للابتعاد عن هذه الوساوس يكمن في ترك الصلاة، وكذب؛ فإنه سيتابعك ويدخلك في دوامة أخرى ووساوس من نوع آخر.
أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، وحافظي على أذكار اليوم والليلة؛ فالشيطان يفر من الإنسان الذاكر لله تعالى، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد وسلي سؤال المضطر أن يذهب عنك وساوس الشيطان، وكوني على يقين أن الله لن يرد يديك صفرا.
أكثري من دعاء ذي النون؛ فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
سيستمر يأتيك الشيطان بوساوسه أثناء الصلاة، بل قد تكثر عليك الوساوس، ولكن عليك أن تقاوميها، وكلما جاءتك استعيذي بالله من الشيطان الرجيم ولو كنت داخل الصلاة، وانفثي ثلاثا على يسارك؛ يذهب الله عنك ما تجدين.
إن وجد الشيطان منك إصرارا على محاربته، وصبرا، وكثرة ذكر وعبادة؛ سينسحب خسران خائبا بإذن الله تعالى.
الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عيه وسلم ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك العافية والانتصار على وساوس الشيطان.