السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أستشيركم بشأن مشكلتي، وهي قلة الثقة بالنفس بشكل ملحوظ.
يعود السبب في ذلك إلى سخرية والدي وعائلتي مني في صغري، ومقارنتهم لي بالآخرين، مما جعلني أشعر بأنني ناقصة.
ورغم أنني متفوقة دراسيا -والحمد لله-، وتخصصت في مجال كنت أطمح إليه، ومعدلي مرتفع فيه -والحمد لله-، ورغم كثرة صداقاتي ومحبة الناس لي وثنائهم علي، إلا أنني ما زلت مهزوزة وأشعر بقلة الثقة. وعندما يمدحني أحدهم، أظن أنها مجرد مجاملة، ولا أصدق ذلك، حتى لو أجمع أكثر من شخص على نفس الصفة، لكن إن تلقيت تعليقا سلبيا، ولو كان مجرد كلمة عابرة، أو كنت على يقين أن هذه الصفة لا تنطبق علي، فإنها تؤثر في بشكل كبير، وأظل أفكر فيها طوال اليوم، ويضيق صدري.
الآن، أنا موظفة إلى جانب دراستي، نظرا لحاجتي الشديدة إلى العمل، وأتعامل مع أشكال وأنواع مختلفة من الناس. وأتضايق من الشباب الذين يسألونني: "هل أنت متزوجة؟" أو "هل تقبلين بالخطبة؟"
أشعر أنهم يسخرون مني، وأرى نفسي غير جديرة بأن تطرح علي مثل هذه الأسئلة، رغم يقيني بأن الزواج رزق، ولا علاقة له بالشكل أو الشخصية، حتى إن مديري في العمل ضايقني وتجاوز حدوده، ثم اعترف بإعجابه بي، ولم يخطر ببالي إلا سؤال واحد: كيف يمكن لشخص أن ينظر بإعجاب إلى فتاة ناقصة ومليئة بالعيوب مثلي؟
ورغم أنني أتابع الكثير من المتخصصين في علم النفس الذين يتحدثون عن بناء الثقة بالنفس، ورغم يقيني بأن رضا الناس غاية لا تدرك، وأن رضا ربي عني ورضاي عن نفسي هو الأهم، إلا أنني ما زلت أتأثر كثيرا بتقييم الناس، وأتألم من أي تعليق سلبي، وأرغب بشدة أن أكون مثالية وخالية من العيوب، رغم علمي بأن هذا ينافي طبيعة البشر.
ورغم أنني طبقت كثيرا من النصائح التي تساعد على بناء الثقة بالنفس، إلا أن ثقتي لا تزال مهزوزة. فما الحل برأيكم؟ وهل أحتاج إلى زيارة طبيب نفسي؟
أشعر بأنني أفقد جزءا كبيرا من متعة الحياة بسبب قلة الثقة، فليس من الطبيعي أن أقضي معظم وقتي أفكر في كلام الناس، وأفسر تصرفاتهم، وأظن أنهم يسخرون مني، مما يجعلني أعاني نفسيا.
أرغب في ألا أهتم بكلام الناس، وأن أثق بنفسي دائما. فكيف أصل إلى ذلك؟
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رهام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
لا شك أن للتربية الخاطئة تبعات على نفسية المتربي، ومن تلك الطرائق الخاطئة المقارنة بالآخرين، سواء كانوا داخل البيت أم خارجه، ولذلك لو تصفحنا سيرة نبينا -عليه الصلاة والسلام- وسيرة أصحابه الكرام، فلن نجد كلمة واحدة في المقارنة بين شخص وآخر فيما يحمل من الصفات، ولن نجد سوى المدح والتشجيع.
يحذر التربويون تحذيرا شديدا من المقارنة بين الأبناء وغيرهم، فيما يشعرهم بالنقص، لما لذلك من إحباط لهم وتكبيل لانطلاقهم نحو المعالي، واهتزاز ثقتهم بأنفسهم، وأحيانا يكون مقصد الوالدين حسنا، ولكن لجهلهم بطرائق ووسائل التربية يقعون في مثل هذه الأخطاء، وهم يظنون أن الولد سيتحفز من أجل أن يكون أفضل من الشخص الذي قورن به، ولكن المؤسف أن ذلك لن يكون إلا أن يشاء الله تعالى، وقد قيل قديما: (كم من مريد للخير لا يدركه).
كوني على يقين أن الكمال عزيز، ولا يوجد شخص إلا وفيه جوانب نقص أو قصور، حتى من ينتقدنا لو نظرنا في شخصيته لوجدنا فيه من العيوب أضعاف ما عندنا، فكوني على يقين أنك طبيعية جدا ولكنك حساسة، ولعله أثر فيك كلام والدك، وكذا طموحك لأن تكوني أفضل من غيرك، هو الذي يجعلك بهذه الدرجة من الحساسية.
ما يقوله عنك الآخرون من المدح صحيح؛ لأنه لا يمكن أن تتفق كلمتهم على المجاملة، واحذري من هؤلاء الشباب ومن مدير مكتبك، ولا تسمحي لهم بالكلام في مجال الزواج أو ما شابه ذلك، فمن كان راغبا فليأت البيوت من أبوابها، ومن طرق الباب وجد الجواب كما يقال.
انسي الماضي ولا تستجريه لحاضرك، وعيشي حياتك بثقة تامة، ولا تعطي لنفسك الرسائل السلبية، فإن ما تعانينه الآن هو آثار تلك الرسائل السلبية، فأنت دائما ما تكررين أنك ناقصة وأنك لست كالأخريات.
ومن الرسائل السلبية قولك: (عندما يمدحني أحدهم أظن أنها مجرد مجاملة، ولا أصدق ذلك)، ومنها قولك: (إن سمعت تعليقا سيئا ولو كانت كلمة عابرة، وكنت على يقين أن تلك الصفة ليست فيك؛ إلا أنها تؤثر فيك بشكل كبير، وتضيق صدرك، وتظلين طيلة اليوم تفكرين فيها)، ومنها قولك: (إنك ترين نفسك لست أهلا لأن يخطبك أحد).
أنصحك أن تستبدلي الرسائل السلبية برسائل إيجابية، فلو مدحت قولي: نعم أنا كذلك ولله الحمد، وإن ذكرت لك صفة سلبية فقولي وكرري: لا لست كذلك.
انظري لوجهك في المرآة وخاطبي نفسك بما عندك من الصفات الحسنة وانفي عن نفسك ما يذكره الناس من الصفات السلبية فقولي: أنا لست كذا ولا كذا.
تذكري أنك متفوقة في دراستك، ودرجاتك مرتفعة، وتخصصت فيما كنت تطمحين إليه، وما هذا إلا لأنك لست ناقصة بل أنت فتاة سوية.
انظري لمن حولك وخاصة من أخفق في دراسته، أو لم يستطع تحقيق أحلامه أو حصل على درجات متدنية، وكيف أنهم بالرغم من ذلك كله واثقون بأنفسهم، أليسوا كانوا أحق أن يصفوا أنفسهم أو يوصفوا بالنقص والقصور؟
استعيني بالله ولا تعجزي، وكوني قوية، وأبرزي ما عندك من الصفات الحسنة للخروج مما أنت فيه، فأنت قادرة على اجتياز ذلك بإذن الله.
أنا أرى أنك لست بحاجة للذهاب إلى طبيب نفسي، فأنت شجاعة لدرجة تمكنك من اجتياز ما أنت فيه.
للشيطان دور في تثبيت ما تعانينه في نفسك، فهو يستخدم وساوسه لإحباط الناس، فأنصحك أن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم فور ورود تلك الأفكار التي تؤذيك، وألا تتفاعلي أو تتحاوري معها واحتقريها، وانهضي مباشرة من المكان الذي أتتك وأنت فيه، وأشغلي نفسك بأي عمل نافع يلهيك عن الاسترسال والتفاعل مع تلك الأفكار.
لا شك أن الهموم تسيطر على حياتك، فأنصحك أن تكثري من الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب). وقال لمن قال له: أأجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه وحافظي على أذكار اليوم والليلة يطمئن قلبك كما قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسلي الله تعالى أن يذهب عنك هذه الوساوس والأفكار، وكوني على يقين أن الله لن يرد يديك صفرا.
نسعد بتواصلك ونسأل الله لك التوفيق.