السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب قد ابتلاني الله تعالى بقصر القامة، فطولي هو 165 سم فقط، أنا أقصر من النسبة العظمى من الشباب والفتيات في وطني، وحتى هنا في الغربة حيث أسكن وأقيم.
لقد زادت مشكلتي بشكل مهول، حيث أني أسكن في أوروبا والناس هنا طوال القامة جدا، حتى بالمقارنة مع طوال القامة من بلدي، فما بالكم إذا كنت قصيرا جدا أساسا.
لقد بلغت من البؤس والشقاء مبلغا عظيما، خصوصا أني أتمنى الزواج من كل قلبي وأتمنى أن ألتقي بفتاة أحبها وتحبني في ظل طاعة الرحمن، لكن وللأسى والأسف أرى أن مشكلتي تمنعني من هذا، وتمنعني من أن أعيش في هذه الحياة الفانية بشكل طبيعي.
في كثير من الأحيان أتجنب الخروج من المنزل ومخالطة الناس خوفا من مشاهدة الأزواج مع بعضهم، حين أرى زوجين فإن قلبي يعتصر ألما وحزنا لأني غير قادر على أن أكون مثلهما أو أن أشعر بمثل الحب الذي يشعران به.
أعلم –والله- أن هذه الدنيا دار ابتلاء وشقاء وهم وغم، وأعلم أن إقامتي فيها قصيرة إن شاء الله، وأعلم أن الله تعالى قد منحني منحا ونعما لا تعد ولا تحصى على رأسها الإسلام ومنها السلامة والأمن والصحة والعافية والحرية، وهي نعم حرم الكثير منها، لكن الابتلاء في قصر قامتي لا يسمح لي بالنوم أو التفكير أو العيش مثل بقية البشر ،وأشعر أن ذلك سبب لي إعاقة لا مهرب منها إلا بالموت الذي أتمنى وأشتهي على الله أن يكون قريبا وعاجلا غير آجل.
فتنتني الدنيا وصرت أظن أن أهلي هم سبب معاناتي، وأنهم وبسبب قصر قامتهم صرت قصيرا جدا، وصار هذا سببا مني للشجار مع أمي، وللحنق والغضب على أبي المتوفى.
إني والله شاهد على ما أقول أحب الله حبا جما، فحبه يسري في دمي، وأنا أرجو منه المغفرة والرحمة في كل يوم وأتمنى لقاءه.
أطلب منكم تزويدي بآيات كريمة أو أحاديث شريفة تفهمني أن ما أنا فيه من قصر إنما هو قضاء الله ولم يكن بالإمكان تجنبه، وأنه تعالى أراد ذلك لعلم يعلمه فيه الخير.
إذا علمت ذلك وأدركت أن مشكلتي إنما هي قضاء من الله وليست بسبب خطأ مني أو من أهلي، فإني أظن وقتها أن نفسي ستهدأ، وأني سأتقبل الأمر، لأنه صادر عمن أحب وأعبد وأرجو.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نزار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
طول القامة وقصرها لا يمكن أن يكون عائقا أمام الإبداع والتميز في هذه الحياة، فقيمة كل امرئ ما يحسنه، ولعلك تدرك أن بعض من سلب نعمة الحركة وأصبح قعيد الكرسي المتحرك لم يمنعه ذلك عن الإبداع ووضع بصماته في هذه الحياة، فالإنسان لا ينظر إليه باحترام من خلال طول أو قصر قامته، ولو كان الطول هو المعيار في هذه الحياة لكانت الجمادات أفضل من الإنسان، وإنما ينظر للإنسان من خلال عقله وفكره ونفعه لمجتمعه وللبشرية.
كن على يقين أن طول وقصر جسم الإنسان ونحافته وضخامته ليس للإنسان فيه تدخل، فذلك يسير وفق تقدير الله تعالى، وهكذا ما قد يصاب به الإنسان من العيوب والعاهات الخلقية، وكل ذلك لحكمة أرادها الله سبحانه لهذا الإنسان، يقول سبحانه وتعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
قامتك في حد الاعتدال، ولم تصل لحد التقزم، فلماذا تنظر إلى نفسك هذه النظرة الدونية؟ ثم إن خلق الله كله حسن، يقول سبحانه: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).
أذكر نفسي وإياك بحديث ابن مسعود الذي رواه أحمد وغيره، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سواكا من الأراك، - فكانت الريح تكفؤه، وكان في ساقه دقة - فضحك القوم من دقة ساقي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما يضحككم؟) قالوا: من دقة ساقيه، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد) وفي هذا الحديث الصحيح يتضح لنا ما يأتي:
النظرة الصحيحة للإنسان لا يمكن أن تكون من خلال جمال جسمه، وإنما من خلال مكانته عند ربه سبحانه وتعالى، وذلك هو المفهوم الصحيح والميزان الحقيقي الذي يقاس به الإنسان، وهو المعيار الذي يرفع به الإنسان أو يوضع، (والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد).
ابن مسعود هذا الصحابي الجليل كان رجلا نحيفا، قصيرا، دقيق الساقين ضعيف البنية، وذكر عنه أنه كان إذا مشى يوازي بقامته الجلوس، إلا أنه مع كل ذلك ساقاه فقط رضي الله عنه في نظر الجزاء والميزان له أثقل من جبل أحد، فكيف بما سواهما؟!
كل ذلك لأن نظرة الشارع لا تكون إلى الشكل الخارجي والهيكل العظمي للإنسان، وإنما نظرته للأمور الباطنة الخفية، فنظرة عامة الناس نظرة قاصرة لأنهم اغتروا بالشكل الخارجي وتركوا الأمور الخفية، وأما الشرع فترفع عن ذلك وبرئ من تلك النظرة.
إن نظر الله عز وجل للإنسان لا يكون إلى جسمه وهيكله الخارجي وإنما ينظر إلى قلوب العباد وأعمالهم، وبقدرهما تكون موازين أجسادهم يقول الله في كتابه: (والوزن يومئذ الحق ۚ فمن ثقلت موازينه فأولٰئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولٰئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) فهذا هو الوزن الحق والعدل.
بالمقابل يأتي الرجل الجميل الطويل والبدين البطين مع كفره فلا يزن عند الله جناح بعوضة، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، وقال: اقرؤوا إن شئتم: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا).
مما سبق يعلم أن المعول عليه هو الإيمان وليس ضخامة البدن أو طوله أو حسنه، فإن الله ذم أهل النفاق مع أنه سبحانه جعل لهم أجساما حسنة، وهيئات جميلة، وكلاما حسنا، فقال سبحانه وتعالى ذاما لهم: (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة).
مارس حياتك بشكل اعتيادي، وخالط الناس، وابحث عن فتاة ذات دين وخلق، وأسس لبيت وأسرة مسلمة، تكون لبنة صالحة في جسم المجتمع.
لا تجعل هذه الفكرة الخاطئة تكبل حياتك وتؤثر عليك سلبا وتقعدك عن العمل والتخطيط للمستقبل، وتذكر ما وهبك الله من النعم الكثيرة التي لا تحصى واشكره على ذلك وسله المزيد من فضله.
لا علاقة لوالديك بقضية قصر قامتك، وعليك أن تغير من سلوكك مع والدتك وأن تترحم على والدك، وتب إلى الله سبحانه من سوء التصرف مع والديك، وأكثر من الدعاء لوالدك والتصدق عنه.
نوصيك أن توثق صلتك بالله تعالى وتجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح وتنوعه فبذلك تستجلب الحياة الطيبة يقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أعظم أسباب تفريج الهموم وتفريج الكروب وغفران الذنوب ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ، ومن كل هم فرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
ارض بقضاء الله وقدره، فالرضا بذلك جزء من الإيمان، ففي حديث أركان الإيمان( .... وأن تؤمن بالقدر خير وشره).
كما أن الرضا بذلك من أسباب تحصيل رضوان الله تعالى ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره وحذار أن تتسخطي وإلا فالجزاء من جنس العمل.
لا يجوز أن تتمنى الموت بسبب هذا الأمر فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي).
نسأل الله تعالى لك السعادة والتوفيق في حياتك.