السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
شهر مبارك عليكم، وتقبل الله منكم الصيام والقيام وصالح الأعمال.
لدي مشكلة في التعامل مع أخي الأصغر مني بثماني سنوات، ويوجد بيني وبينه أخوين آخرين.
أخي هذا ملتزم دينيا ويحفظ عشرة أجزاء من القرآن، ويؤم الناس في المسجد المجاور للمنزل، فهو على خير نحسبه والله حسيبه، ولكن مشكلته تكمن في أنه لا يطيع دائما، يعاند ويأخذ الأمور حسب رأيه هو ولا يسمع الكلام أبدا.
استخدمت جميع السبل والوسائل الممكنة معه (نصحا، ووعظا، وإرشادا، وتوبيخا، وشدة أسلوب، ودردشة)، ولم يتبق إلا الضرب، ولا أستطيع ضربه لسببين: الأول أنه قد كبر وأخاف أن يصاب بشيء نفسي، والسبب الثاني لكي لا أخلق فجوة بيني وبينه.
يرفع صوته على أبي وأمي، ويتلفظ علينا نحن الذين نكبره سنا، ننصحه بأن لا يفعل فلا نجده إلا وهو يفعل، يعلم أنني أحتاجه كثيرا وأعتمد عليه، ولا يكون موجودا (حيث إن إخوتي الذين يكبرونه في الخارج لدراسة الجامعة)، يضحي بالعائلة وبأوقاتها لأجل أصدقائه، كثيرا ما أخبره أن العائلة تأتي دوما في المرتبة الأولى ولا ينصت.
تعبت كثيرا من التعامل معه، وكثيرا ما أتركه يتعلم من الأيام، أو يرى مفاسد ما يفعل، ولكن لا حياة لمن تنادي، ثم أدفع أنا ثمن ذلك سواء ماديا أو معنويا.
كنت قد منعته من المشي مع أشخاص محددين، وخرج معهم أمس وعمل حادثا، وكانت النتائج أن كلفني مبلغا ضخما من المال، ولم يحمل 20% من المتطلبات المنزلية.
كنت في السابق أتحمل كل هذا ولا أشتكي، ولكن ما دفعني إلى الكتابة لكم أنني كنت أراجع منذ أسبوع لدى طبيب الباطنية الذي أحالني إلى طبيب القلب والشرايين، وأخبروني أن ضغط دمي مرتفع جدا، ومن ضمن النصائح أن أبتعد عن كل ما يشغل البال وعن القلق والغضب، ولا أخفيكم أنني أشك بنسبة 80% أنه بسبب أخي هذا (هداه الله وأصلحه).
والمشكلة الثانية: أنه يسيء الظن بالمسلمين، من علماء ومشايخ وطلبة علم وحتى العامة، يبدأ في التصنيف: هذا الشيخ ضال، وذاك مبتدع، والثالث زنديق، وطبعا لا أقصد الذين هم على ضلال أصلا، بل حتى الذين هم على الجادة لم يسلموا منه.
كيف يكون التعامل معه؟ لأنني بدأت أشك وأتساءل: كيف سأربي أبنائي وأنا لم أستطع توجيه أخي والأخذ بيده؟
أفيدوني بارك الله فيكم، وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مشكلة أخيك تحتاج إلى معرفة أسبابها، وعلاج كل سبب بما يناسبه، فقد يكون من أسبابها:
- أن أخاك يتصف بالعناد وأنتم تستخدمون معه أسلوب الأمر والنهي، فيدفعه ذلك إلى التمرد عليكم، والصواب أن يستخدم مع المعاند أسلوب الإقناع بدلا من أسلوب الأمر والنهي، وإشعاره بالاحترام والتقدير لكسر عناده.
- قد يمر بمرحلة المراهقة، وهي مرحلة تتسم بالسعي لإثبات الشاب لشخصيته بشيء من المخالفة والعناد وردود الفعل، فتحتاج إلى شيء من المرونة في التعامل والتوجيه، وإعطائه فرصة لإثبات شخصيته في الأمور التي فيها سعة.
- قد يكون لديه رفقة لديها تلك الأخلاق والصفات فتأثر بها، ويحاول محاكاتها لتعلقه بها، فيحتاج في هذه الحالة إلى انتزاعه من هذه الرفقة، والبحث له عن رفقة صالحة غيرها، تساعدكم في معالجة هذه السلوكيات لديه بالممارسة والصحبة والتأثير الأخوي.
- قد يكون اتخذ منكم موقفا سلبيا لسبب أو لآخر فلم يعد يعتبركم قدوة له، ويعتبر توجيهاتكم غير صحيحة، وفي هذه الحالة لابد من مراجعة تصرفاتكم معه، وزرع الثقة بينكم وبينه، وتغيير ما علق بذهنه من سلبيات عنكم.
طالما أنك تعاني من الضغط وتصرفاته تؤثر عليك صحيا فننصحك بتكليف غيرك من الإخوة أو الزملاء الثقات بمتابعة أخيك بأسلوب مناسب، وعدم تعريض نفسك لأي مضاعفات بسبب مخالفات أخيك.
لا يعني هذا أنك فاشل في التربية وأنك ستفشل في تربية أولادك، بل بالعكس ستستفيد من تجربتك في تربية أخيك في تربية أولادك مستقبلا، وستستخدم الأساليب الناجحة معهم، فلا تيأس، ولا تحكم على نفسك بالفشل.
لا تنس أن الهداية بيد الله سبحانه، فنوح عليه السلام، مع أنه نبي كريم، لم يستطع أن يقنع ولده بركوب السفينة للنجاة من الغرق.
بخصوص انشغال أخيك بتصنيف العلماء وذمهم، فهذه بادرة خطيرة تدل على انحراف فكري لديه، ويخشى من تطوره مستقبلا، وربما أنه يصاحب رفقة من الشباب لديهم انحراف فكري أثروا عليه، فلا بد في هذه الحالة من إبعاده عنهم بأسلوب صحيح وربطه ببعض أهل العلم الثقات حتى يقنعوه بالصواب.
كما أن من أسباب الانحراف الفكري: قلة العلم، وضعف التفقه في الدين، وعلاج ذلك أن يشجع على طلب العلم الشرعي المنهجي حتى يذهب منه هذا الفهم الخاطئ للالتزام.
لعل ضعف المتابعة له منكم منذ الصغر وعدم توجيهه بأسلوب صحيح جعله يصل إلى هذا المستوى الذي تشكو منه.
في كل الأحوال -مع تنفيذ ما سبق من حلول- ننصحكم بالصبر والتحمل وتنويع الأساليب معه، والدعاء له بالصلاح والاستقامة، خاصة من الوالدين، فالهداية بيد الله سبحانه.
نسأل الله أن يصلح حاله.