السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على الموقع المفيد والجميل، وتعلمت منه الكثير، واليوم أحببت أن أشارك لعلي أجد جوابا يريح ضميري.
شاب، عمري 25 سنة، قبل 10 سنوات تقريبا جاءتني فترة خوف من الموت غير طبيعية، ولا أستطيع أن أنام، وأخاف أن أموت بأي لحظة.
والآن رجعت لي الحالة ولكن عندي خوف من الموت عند سماع أخبار الوفيات، وعندي استفسار عن الحياة بعد الموت، هل هي مثل حياة الإنسان الآن يسمع ويحس بكل شيء، أم تختلف؟ أعلم أنه شيء غيبي، ولكن لعل الرسول أو الأثر تكلموا عنها.
وما هي أول ليلة على الإنسان في القبر؟ وهل صحيح ترد له الروح مثل الدنيا ويشعر أنه بالقبر والظلام والوحشة، أم حياة مختلفة؟ لأنني تعبت جدا من التفكير، ولم أجد جوابا للأسئلة.
وهل الدعاء بطول العمر يغير الأقدار، أم كل شيء كتب في اللوح المحفوظ ولا يمكن أن يتغير؟
أتمنى أن تفيدوني الله جزاكم خيرا، وهل تنصحني بالذهاب إلى طبيب نفسي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سلمان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الخوف من الموت هذا شيء طبيعي جعله الله في نفوس الناس جميعا، جاء في الحديث القدسي يقول الله (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته) رواه البخاري. الخوف هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته وكربه، ومع هذا فالموت لا شك أنه أت لكل نفس ولا بد منه؛ قال تعالى (كل نفس ذائقة الموت ۗ وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ۖ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ۗ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
وبما أن الموت واقع لا محالة فلا بد من الاستعداد له، وذلك بالعمل الصالح وتقوى الله، ومراقبته، ورد الحقوق إلى أهلها، وكتابة الوصية ونحو ذلك، ولا ينبغي أن يتحول الخوف من الموت إلى هاجس أو وسواس أو كابوس يؤرق صاحبه، فإنه إذا كان شيء من هذا فهذا مرض نشأ عن اضطراب نفسي؛ إما من مرض عين أو مس أو سحر، أو اكتئاب بسبب هموم أو مشاكل، وبما أنك قد تغلبت على هذا الخوف وذهب عنك لفترة من الزمن فهذا يدل على قدرتك على الخلاص منه، ثم عاد إليك مرة أخرى فهذا يحتم عليك إعادة نفس الأساليب التي اتبعتها في المرة السابقة للخلاص منه.
ومما يمكن أن ندلك عليه إذا جاءك تذكر الخوف من الموت عليك بكثرة الاستغفار والذكر، وقول لا حول ولا قوة إلا بالله، وقول حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم اقطع التفكير فيه، وإذا قد جاءك عند حصول وفاة أحد فما عليك سوى أن تدعو للميت بالرحمة، وأن تستدرك على نفسك بحسن العمل والتوبة فإن العبرة عندما نرى الموتى أن نتعظ بذلك وأن نصلح من حالنا.
وأما سؤالك الذي جاء فيه عن الحياة في القبر، وهل هي مثل حياة الانسان الآن يسمع ويحس بكل شي أو تختلف؟
الجواب عن هذا أن الحياة البرزخية في القبر أمر غيبي لا نعلم عنه إلا بما ورد عن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد ورد أن الميت أول ما يدخل وينصرف عنه الناس ترد روحه إلى جسده، ويسمع قرع نعال الذين دفنوه، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الميت إذا وضع في قبره إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا) رواه مسلم.
كما أنه يأتيه ملكان فيقعدناه ويسالناه ما ربك؟ ما دينك؟ ومن نبيك؟ والمؤمن الصالح في الدنيا يحسن الجواب، وغيره يقول ها ها لا أدري، ثم المؤمن يفتح له باب إلى الجنة، ويأتيه شيء على هيئة رجل صالح يؤنسه في قبره، وهو عمله الصالح، ويصبح قبره روضة من رياض الجنة، وأما الكافر والمنافق فإنه يعذب في قبره، والخلاصة أن الحياة في القبر ليست مثل الحياة الدنيا وهناك فرق بينهما، ومن أقوى الفروق أن الميت في قبره ولا يخرج منه، وجسده يتحلل مع مرور الزمن، ولا يحس بشيء من الدنيا إلا بما شاء الله أن يعلمه من أحوال أقاربه.
والمهم أن على المؤمن الحي أن يستعد بحسن العمل ولن يكون قبره سوى روضة من رياض الجنة -بإذن الله تعالى-، ولا داع لكثرة التفكير في هذا فإن التفكير المبالغ فيه دون القيام بعمل صالح، هذا لا شك من وسواس الشيطان التي يجب سرعة الخلاص منه.
وأما سؤالك هل الدعاء بطول العمر هل يغير الأقدار أو كل شيء كتب باللوح المحفوظ ولا يمكن أن يتغير؟
الجواب عن هذا أن الدعاء بطول العمر لا بد أن يقيد بالعمل الصالح، فتقول اللهم أطل عمري بالعمل الصالح، فقد دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنس بن مالك بطول العمر، قالت أم أنس لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا أنيس ابني، أتيتك به يخدمك، فادع الله له. فقال : (اللهم أكثر ماله وولده). قال أنس: فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم) رواه مسلم.
وأما إطالة العمر مطلقا من غير تقييد بالعمل الصالح فهذا منكر، وقد أنكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أم حبيبة دعائها بذلك لأبيها أبي سفيان وأخيها معاوية -رضي الله عنهما- قالت أم حبيبة: اللهم متعني بزوجي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك سألت الله لآجال مضروبة، وآثار موطوءة، وأرزاق مقسومة، لا يعجل شيئا منها قبل حله، ولا يؤخر منها شيئا بعد حله، ولو سألت الله أن يعافيك من عذاب في النار، وعذاب في القبر ؛ لكان خيرا لك) رواه مسلم.
ثم الدعاء بطول العمر ليس محمودا، والأولى بالإنسان أن يدعو الله أن يبارك له في عمره وعمله، ولا يدعو بطول العمر.
ومن المعلوم أن الدعاء بطول العمر أمر ممكن وهو لا يغير ما كتب للإنسان في اللوح المحفوظ، فإن ما كتب فيه لا يغير أبدا، وإذا تغير عمره وطال فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ إنه سيسـأل الله طول العمر، وأن الله يجيب دعاؤه ثم يطيل عمره، كل ذلك مكتوب.
ولكن هناك كتابة أخرى يمكن أن تتغير وهي الكتابة الدهرية فهذه يمكن أن تتغير والتي قال الله فيها (يمحو الله ما يشاء ويثبت ۖ وعنده أم الكتاب) والمعنى: يمحو الله- تعالى- ما يشاء محوه، ويثبت ما يريد إثباته من الخير أو الشر، ومن السعادة أو الشقاوة، ومن الصحة أو المرض، ومن الغنى أو الفقر، أو طول العمر، ومن غير ذلك مما يتعلق بأحوال خلقه.
وعنده- سبحانه- الأصل الجامع لكل ما يتعلق بأحوال هذا الكون، فعلى هذا لو دعا الإنسان الله أن يطيل عمره، فإن العمر الذي ينتهي إليه إذا استجاب الله دعاؤه هو الذي دعا به، وأما في الكتابة الدهرية فكان له عمر أول فلما دعا الله بطول العمر غير الله له إلى العمر الثاني.
وفقك الله لمرضاته.