السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالبة في المرحلة الثانوية، معدلي الدراسي مرتفع، دائما أكون من العشر الأوائل بالمدرسة، لا أثق في أحد، حتى عائلتي.
شخصيتي انطوائية، وأحب الوحدة كثيرا، رغم امتلاكي عائلة إلا أنني لا أشعر بوجودهم المعنوي.
يوفرون كل ما أطلبه، ولكنني لم أشعر بأن لدي أما وأبا إلا في الجانب المادي.
أمي دائما تسخر مني مع إخوتي منذ طفولتي، وأبي ليس إلا وسيلة للمال، لم أجد صديقة، والجميع يستغلني لمصلحته.
بسبب سخرية أمي وإخوتي أصبح لدي فوبيا من القطط، ومن التعامل مع الناس، ومن المرتفعات، في طفولتي حدثت العديد من المواقف وسببت لي الفوبيا، لا أعلم ماذا يجب أن أفعل؟ هل الابتعاد عنهم هو الحل، وأنسى كل ما مضى، أم يجب التعامل معهم؟
في الحقيقة في طفولتي فكرت في الانتحار لأكثر من مرة، ولا أعلم ماذا يجب أن أفعل؟ ما زال إخوتي يسخرون من، ولأنني انطوائية ظنوا بأنني متكبرة، وهاجموني بكل ما يستطيعون من الكلمات.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جهاد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيتها المتفوقة- في موقعك، ونشكر لك تواصلك، ونحيي حسن العرض لمسألتك، ونسأل الله أن يوفقنا ويوفقك.
نحن ننتظر من المتفوقات في ميادين العلم أن يقتربن من أفراد أسرهن، وذلك لحاجة أفراد الأسرة إلى أنوار العلم وخيراته، والخلطة مع الناس مطلوبة، ولها ضريبة وثمن، لأن الناس لا يعجبهم كما قيل العجب، ورضاهم غاية لا تدرك، ولكن العاقلات يجعلن همهن إرضاء الله، والمؤمنة التي تخالط وتصبر خير من التي لا تخالط ولا تصبر.
ونصيحتنا لك: هي ضرورة الاقتراب من أفراد أسرتك، وخاصة والديك، واتخذي لك صديقات صالحات، وكوني المتحكمة في مقدار الخلطة ومكانها وفحواها ومحتواها، والخلطة المرشدة فيها الضوابط التي أشرنا إليها، وقد قال الله لنبيه: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}.
وسلي الله أن يحببك إلى خلقه، وأن يحبب إليك الصالحين والصالحات منهم.
وإذا سخر أحد منك فتذكري نجاحاتك، واعرفي نفسك ومقدارك، وتذكري أن أكرم الخلق الأنبياء لم يسلموا من سخرية السفهاء.
وسجل التاريخ، بل والقرآن نجاح وفوز الأنبياء، وخسارة الساخرين، مع ضرورة الانتباه إلى عدم مقابلة السخرية بمثلها، فالعقلاء يستفيدون حتى من سخرية أعدائهم، وذلك بتدارك ما عندهم من النقائص، واجتناب ما يذكروه من المعايب.
أما إذا كانت السخرية من ناقص، فهي شهادة لمن سخر منه بالكمال، وأحسن من قال، وإذا أتتك مذمتي من ناقص .. فهي الشهادة لي بأني كامل.
أما بالنسبة للفوبيا من القطط أو الأماكن المرتفعة أو نحوها، فسوف يفيدك حولها المرشد النفسي، وهي تحتاج إلى تصحيح القناعات.
فالقط حيوان وديع أليف لطيف، والاقتراب منه تدريجيا، والسعي في إطعامه، مما يذهب ما في النفس، وقد عملت تجربة مع أبن أخي الذى كان يخاف من القطط وهو صغير، فكنت أحمله ونطارد القطط، ثم انتقلنا لمرحلة رميها ببعض الأشياء الخفيفة، فكانت تهرب وتبتعد، ثم أنزلته فبدأ يطاردها وذهب الخوف من نفسه.
ومن وسائل علاج الخوف الزائد من بعض الأشياء، تذكر السبب في الخوف الحاصل، والسعي في إعادة الموقف ثم محوه، ومن المفيد مناقشة من يخاف وتكليفه بعكس ما عنده من قناعات، فمن يخاف من مواقف اجتماعية ينتفع جدا من ممارسة أدوار اجتماعية تحت إشرافنا وتشجيعنا.
وأرجو أن تعلمي أن تعرض الإنسان لمواقف، أو شعوره أن هناك من يستغله ليس سببا للتوقف عن التعامل مع الناس، ولكنه سبب لمزيد من الحذر، والحياة تجارب، والمؤمنة لا تلدغ من الجحر الواحد مرتين.
وعليه فنحن ندعوك إلى:
1- اللجوء إلى من وفقك للنجاح أكاديميا وسؤاله بأن يرزقك النجاح فى الميادين الأخرى.
2- عليك بمداراة الناس، والمداراة هي أن نعامل كل إنسان بما يقتضيه حاله، وهي قاعدة مهمة وأساسية في النجاح الاجتماعي للإنسان، فالناس مختلفين، وأصابع اليد الواحدة لا تتشابه.
3- لا تتأثري من سخرية من حولك، فبعضهم يريد لك الخروج من السلبية.
نحن لا نؤيد سخرية الأب أو الأم من الأبناء، ولكننا نذكر الأبناء بالدوافع الفعلية لمثل تلك المواقف، فللوالدين رغبة فطرية في أن يكون أبناؤهم وبناتهم الأفضل في كل المجالات، فإذا شعروا بنقص فإنهم قد يسخروا ليتدارك الأبناء الخلل، وليت الآباء لم يفعلوا ذلك، وليتهم سلطوا الأضواء على الإيجابيات وتغافلوا عن السلبيات وشجعوا الإشراقات.
4- عمقي توحيدك لخالقك، وتوكلي عليه، واستعيني به، واعلمي أن ثقة الإنسان في نفسه فرع عن ثقته في ربه ومولاه، واحرصي على طاعته لتنالي القبول عنده، وعندها سوف يلقى لك القبول في الأرض، قال سبحانه: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونحن سعداء بتواصلك مع موقعك رغم صغر سنك، وهذا دليل على أن عقلك كبير، نفع الله بك بلاده وعباده، وسدد خطانا وخطاك.