عشت في عائلة مفككة ومازلت أعاني آثار تلك العلاقة في غربتي

0 110

السؤال

السلام عليكم.

عمري 29 سنة، أعيش في فرنسا لإتمام الماجستير والدكتوراه في الهندسة والحاسوب، أنا -والحمد لله- متفوق في دراستي وعملي، ولا أشعر بالغربة، إنما أشعر بالوحدة.

تركت بلدي لأحقق أمنيات على الصعيد الدراسي والعملي والاجتماعي، والتي لا أستطيع تحقيقها في بلدي، عائلتي فقيرة مفككة وكثيرة المشاكل، والدي لا يشفق على أولاده ولا على أمي، ولا أعرف معنى العائلة.

في الغربة اكتشفت كم كنت وحيدا حتى قبل الغربة، فلم أعرف أحدا يزورنا أو يحبنا بسبب أبي ومشاكل عائلتي، وبعد الغربة ازدادت الوحدة وكبر الألم والوجع.

رغم تفوقي أبكي يوميا بسبب شعوري أنه لا سند لي في الحياة إلا أمي المسكينة التي لا أستطيع ولا أريد الاستناد عليها لكثرة همومها، وأضطر أن أظهر لها قوتي وأخفي عنها همومي.

أنا شخص -والحمد لله- ذو سمعة طيبة قبل وبعد السفر، معروف بجدي واجتهادي وإصراري على كل شيء، وتشهد على ذلك مدينتي وجيراني وجميع من قابلتهم، إلا أن العائلة الجيدة والسند ونعمة الأهل لا تأتي لا بجد ولا اجتهاد.

قررت موخرا الاستسلام له؛ لأني لا أستطيع تغيير شيء في ذلك أبدا، وأيقنت حاجتي لأسرة تكون ونيسي، فلا أستطيع العيش لوحدي، فكلما رأيت عائلة سعيدة تضحك وتسهر سويا وتساند بعضها، أشعر بالحرمان من تلك الحياة، وأشعر بالغربة عندما أزور أحدا من أقاربنا بسبب تصرفات والدي التي أوجدت الجفاء في العلاقات بيننا، فعائلة والدي لا تعرف الود والترابط والتماسك، ومنها تربى أخوتي على القسوة رغم كل محاولات أمي الصابرة المحتسبة لتكوين أسرة سليمة.

قررت الزواج وتكوين أسرة تعوضني عن عائلتي المتفككة، فكان قراري بنية العفة في الغربة، وبنية تكوين عائلة أحس فيها بالأمان والاطمئنان، وأحس بوجود من يشاركني يومياتي.

رجعت لبلدي، وكنت عرفت فتاة مسبقا أعجبتني جدا وأعجبتها، وكنا متفقين، وقررت التقدم لها، فلم أجد دعما من والدي، فقررت الاستقلال كليا من الناحية المادية، والاتكال على الله وطلب يد الفتاة، وتقدمت إلى أهلها، وأنا قادر على ذلك ماديا، إلا أنهم رفضوني بسبب الغربة، رغم إقرارهم بحسن خلقي، فكررت المحاولة أكثر من مرة، لكنهم أصروا على الرفض، فرجعت إلى فرنسا.

لا أدري ماذا أفعل؟ فلا أحد يواسيني، وأطلب منكم الدعاء، تقديم المشورة، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

اعلم أن الحياة الدنيا دار كربة ومشقة، ولا يسلم من شقائها أحد، فمن تراه سعيدا يوما ستراه حزينا يوما آخر، وهكذ هي الحياة الدنيا، لذلك جعلها الله دار عمل واجتهاد، وعوض الله الناس بدار أخرى هي دار الراحة والسعادة والخلود المطلق وهي الجنة.

وطلب منا سبحانه الصبر على ابتلاءات الدنيا، والاستقامة على دينه وشرعه، والبعد عن معاصيه، حتى نسعد بالفوز بتلك الدار العظيمة التي أعدها الله لعباده الصالحين، ( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). كما وصفها بذلك سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-، لذا اجعل هذا نصب عينك حتى تتجاوز مآسيك ومصائبك في هذه الحياة، ولا شك أن تفرق الأسرة أو عدم استقرارها يؤدي إلى آثار سلبية على أفرادها.

وطالما أن الله وفقك في دراستك، فحاول أن تعتني بأمك وأبيك بأسلوب يخفف عليهما حالهما بالاتصال والسؤال، والنصائح بين الحين والآخر بأسلوب هادئ مؤدب معهما، ولا تشعرهما بحزنك وألمك، بل اشعرهما بالاستقرار والسعادة حتى تدخل السرور عليهما.

وقرارك أن تتزوج لتذهب بوحدتك وغربتك قرار صحيح، وكونك لم تنجح في المحاولة الأولى لا يعني بطلان القرار، بل حاول البحث عن غيرها، وليس بالضرورة من بلدك، فقد تجد فتاة مسلمة صالحة عربية أو غير عربية في فرنسا من خلال الجالية العربية والإسلامية هناك والمراكز الإسلامية.

لذا ننصح التواصل مع المراكز الإسلامية، وربط علاقات بها والتعرف على رودها، والارتباط برفقة صالحة من أهلها، فمن خلالهم تشعر بالأخوة والراحة، وتتخلص من الوحدة والإنطواء، وفي نفس الوقت يزداد إيمانك ويصلح حالك، وأيضا تبحث لك عن زوجة صالحة تعينك عل الخير، وتذهب وحدتك وتسعدك في الدنيا والآخرة.

فإن تعذر عليك هذا لسبب أو لآخر، فابحث عن امرأة أخرى بطريقة صحيحة سليمة من المخالفات الشرعية من أهل بلدك، ولا تيأس من المحاولة، فإن رفضت واحدة فقد توافق عليك أخرى.

وعليك بالدعاء والتضرع إلى الله أن يصلح حالك، وييسر أمرك، فإن التوفيق بيده سبحانه، أسأل الله العظيم أن ييسر أمرك ويصلح حالك.

مواد ذات صلة

الاستشارات