السؤال
السلام عليكم.
أود طرح استفسار على الطبيب النفسي في هذا الموقع وهو:
هل الأمراض الروحية كالمس والسحر والعين موجودة علميا؟ هل تعترفون بها كأطباء نفسيين؟ هل العلم يعترف بها أو بالخوارق؟ هل يمكن للمسلم أن يعتبر نفسه مريضا روحيا ومريضا نفسيا في آن واحد؟ وماذا إن صادف الطبيب النفسي حالة روحية ماذا يفعل للمريض؟ وهل صادفت أنت شخصيا مرضى روحيين خلال عملك كطبيب نفسي؟
فقد وجدت أغلب الأطباء النفسيين لا يعترفون بالأمراض الروحية، وينسبونها لحالات هلوسة نفسية وما إلى ذلك.
نرجو الشرح باستفاضة شاكرين سعيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشكرك كثيرا على الثقة في إسلام ويب، وعلى سؤالك هذا.
الأمراض الروحية كالمس والعين والسحر لا يؤمن بها ولا يعترف بها إلا من يؤمن بالغيب وبوجود الجن كخلق من خلق الله، وقطعا هناك الكثير الذي لا يؤمن بالجن، وعليه هنالك من يعترف من الأطباء النفسيين بوجود تدخلات وآليات نفسية تؤثر على الصحة النفسية للإنسان، وهذه الآليات والتغيرات هي تحت مظلة العين والسحر والمس، والقدرات الإيحائية التي تؤثر على الإنسان.
أنا كطبيب نفسي مسلم أعترف بوجود الجن تماما، وبالنسبة للعلم: الكلية الملكية للأطباء النفسيين ببريطانيا - وهي سلطة علمية كبيرة في مجال الأبحاث وعلاج الأمراض النفسية - اعترفت منذ سنوات بأهمية المكون الروحي في العلاج النفسي، والكلية الملكية حتمت أن أسس العلاج الصحيح يجب أن تكون قائمة على أربعة: العلاج الدوائي، والعلاج النفسي، والعلاج الاجتماعي، والعلاج الروحي.
وهذا الاعتراف من الكلية الملكية بأهمية العلاج الروحي يعني هو اعتراف بوجود تدخلات في صحة الناس ليس تدخلات مادية مرئية للناس. وهناك أحد الأطباء البوذيين هو الذي أنشأ هذا القسم بتلك الكلية البريطانية، وبعد ذلك وضعت الأسس العلاجية الروحية حسب المعتقد، ونحن كمسلمين طبعا نتبع في ذلك قواعد ديننا.
سؤالك هل يمكن المسلم أن يعتبر نفسه مريضا روحيا ومريضا نفسيا في آن واحد: هذا أيضا فيه تباين وتفاوت كبير، وهنالك الكثير من الدجل والشعوذة والأمور التي أدخلت على هذا الأمر، لكن يمكن للإنسان أن يصاب بعلة روحية ومرض نفسي في ذات الوقت، لذا تجد من يأخذ بالعلاجات الطبية النفسية والعلاجات السلوكية والعلاجات الإسلامية الصحيحة والشرعية، يستفيد تماما، بل يشفى -بإذن الله-.
سؤالك: ماذا إذا صادف الطبيب النفسي حالة روحية، ماذا يفعل بها؟
كثير من الأطباء لا يؤمن أصلا بوجود أي تدخلات روحية، ولذا سوف يتجاهل هذا الأمر تماما ويبدي عدم اعترافه للمريض إذا كان من هذا الصنف، وهو في ذلك إما غير مسلم، وإما هو مسلم جاهل لا يعلم الأحكام الشرعية في ذلك. ولكن الطبيب المسلم الذي يعترف بوجودها قطعا سوف يرشد المريض نحو الرقية الشرعية، وأن يحرص على عباداته، لأن المعالج والمعالج من الناحية الإسلامية يجب أن يكونا على درجة عالية من الإيمان، وقد قال الله تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}.
هل صادفت مرضى روحيين خلال عملي؟
نعم، صادفتهم وهم كثر، والحمد لله تعالى استفادوا من العلاج الطبي، وكذلك العلاج الإسلامي، والعلاج الاجتماعي، والعلاج السلوكي، لكن تأتي إشكالية كبيرة - أخي الكريم محمود - وهي: أن بعض المرضى أيضا لديهم أفكار خاطئة حول من منشأ الحالات النفسية، فإذا كانت طبية بحتة تجد بعضهم يقول: "لا، هذه أمراض روحية"، وإذا كان هناك جانب روحي في مرضه يصر على العكس، وهكذا. فهذه إشكالية. وإشكالية أخرى هي: الإضافات والإدخالات التي أدخلت على العلاج الإسلامي، كثير منها خاطئ وليس له أساس، وليس صحيحا، ولم يمارسه أحد من الصحابة أو التابعين، وهذه إشكالية أيضا، خلطت الحابل بالنابل - كما يقولون - لكن هذا يجب ألا يجعلنا نغفل عن الحقائق ونبحث عنها، ونكون محايدين ونكون منصفين ونقدم أفضل ما يمكن لمرضانا.
وأمر آخر أيضا مهم، وهو: أنه في الطب النفسي يوجد ما يعرف بالسلطة العلاجية، والسلطة العلاجية قائمة على مكانة المعالج، مثلا إذا كان طبيبا كبيرا ومعروفا وذو قدر علمي واجتماعي وأخلاقي، هذا قطعا مهابته العلاجية تفيد مريضه حتى وإن لم يعطه علاجا صحيحا، مجرد أن يوجهه لشيء فيه مصلحة علاجية له سوف يستفيد كثيرا، وهذا نوع من التأثير الإيحائي، لذا أنا أرسل كثيرا من المرضى الذين يترددون حول العلاج الطبي إلى بعض الأخوة المشايخ لإقناعهم أن مرضهم مرض طبي وليس مرضا روحيا، وهنا الحمد لله تعالى يقتنع المريض بأهمية العلاج الطبي، ويستفيد منه كذلك. ونحن بهذه الكيفية نكون قد استفدنا من سلطة الشيخ أو المعالج الإسلامي بأن أرشد هذا المريض إلى أن حالته حالة طبية وليست حالة فيها جوانب روحية.
وحقيقة أخرى - أخي الكريم -: ليس هنالك أي حالة ليس فيها جوانب روحية، وكذلك جوانب طبية، وجوانب اجتماعية، لكن قطعا هنالك تفاوت، وهنالك تباين، والأمر فيه الكثير حقيقة ما يمكن أن يقال ويمكن أن يثار، ونسأل الله تعالى أن يرشدنا إلى ما فيه الخير والصواب، وأن يهبنا الرأي السديد والرؤية الصحيحة، وأن ينفع بنا جميعا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.