السؤال
السلام عليكم
جزاكم الله خيرا، نحن نثق بكم كالأب الحنون وكالصديق الصالح الناصح، وكالمعلم الأمين.
هذه استشارة لصديقي يقول فيها: أنا شاب أبلغ من العمر 21 سنة، والحمد لله وهبني الله من نعمه، أنا من سوريا، الجنة التي تدمرت بسبب الحرب، أنا مغترب عن بلدي، ولدي الكثير من الطموحات، وأريد أن أنفذها كلها.
أريد أن أعيش حياتي كما أريد أنا، ولكن بسبب عوامل الحياة لا أستطيع أن أفعل ما أريد، فحياتي لا تسمح لي بذلك، لأنني مجبور أن أعمل من أجل أن أعيش حياة معتادة.
التزمت بنصائح صديق لي فنظمت وقتي وبدأت أعمل على طموحي، لكنني دائما أتردد وأتراجع عما أعمله، فمثلا كنت أريد أن يصبح لدي جسد مثالي، فذهبت وبدأت بذلك، ولكن بعد فترة مللت وتراجعت.
أصبحت أكتب ولكن عندما أنتهي وأنظر لما كتبت وأقارنه بالواقع أقوم بتمزيق ما كتبت، وأقول لنفسي: ما هذا الغباء؟ وأظن بنفسي أنني عندما كنت أكتب أنني كنت أعيش في كوكب ثان!
كما أنني أشعر بالذنب بعد تمزيق ما كتبت، لأنني قمت بتمزيقها، وأشعر أنني أنا على حق والواقع هو الغلط.
أريد أشياء كثيرة لكنني كلما أبدأ بشيء أشعر بالملل منه وأبتعد عنه، هذا أنا لا أعلم هل هذا مرض نفسي أم أنه عبارة عن وهم، وظننت أنه هذا هو ما أريد، أرجوكم هل من نصيحة? ووصف لحالتي النفسية؟
أرجو أن تتعرضوا لكل الأفكار التي ذكرتها فأنا في حيرة من أمري منذ سنين.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بارك الله فيك – أخي العزيز – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع، سائلا الله تعالى أن يحقق أمانيك وآمالك وطموحاتك في الخير، ويرزقك الصبر والقوة والعافية والسعادة.
لا يخفاك أن الله تعالى قد طبع الحياة الدنيا على البلاء، ومما يهون من مشاعر الهموم والغضب والإحباط والأحزان والشعور بالضعف والضياع وخيبة الأمل الآتي:
احتسب ما أعده الله للصابرين على البلاء والشاكرين للنعماء، المؤمنين بالقدر الراضين بالقضاء من عظيم الثواب والجزاء، (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
واجه مشاعر الغضب واليأس والحزن والشعور بالذنب بكل حسن ظن بالله وإيمان، قال تعالى: (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون) (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون).
لا بد لك – حفظك الله – من أن يكون لك طموح يعينك ويدفع بك نحو النجاح في مستقبلك الديني والدنيوي والأخروي، ويلزم هذا الطموح توفر الطاقة الروحية من الإيمان والعزم والصبر وقوة التحمل والتفاؤل والإيجابية، وتوفر الخطة العقلية بوضع برامج وخطط، وحدد أهدافك بدقة ووضوح، واحرص على أن تكون موافقة للشرع ولقدراتك وإمكاناتك، واعلم أن الطموحات لا تتحقق بمجرد الأماني، ولكن بالإرادة والسير إلى الأمام وقوة الرغبة وتركيز القوى.
لا تخلو الحياة من عوائق وعراقيل، والواجب أن تجعلها مؤقتة ووقودا للوصول إلى النجاح، فالفشل لا يكون في الخسارة ولكن في الانسحاب والتردد وتضخيم العراقيل وسرد الأعذار والمبررات، واعلم بأن خوف الفشل وعدم الثقة بالنفس أكبر عوائق النجاح، وطريق النجاح والعطاء يمر بمحطات من التعب والفشل والإحباط وخيبة الأمل.
تناس الماضي ثق بقدراتك وتحل بالشجاعة والجدية، وصحح أخطاءك وطور مهاراتك، واشحذ همتك، وانظر للحياة بسعادة وتخيل نفسك إنسانا ناجحا، ولا تكتف بالقناعة والأحلام رغم توفر إمكاناتك، فقد صح في الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز).
وإذا النفوس كن كبارا ** تعبت في مرادها الأجسام
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها ** وتصغر في عين العظيم العظائم".
من المهم جدا بهذا الصدد الحرص على ملازمة الصحبة الصالحة والمتحلية بالقوة والطموح، وقد صح في الحديث: (المرء على دين خليله)، فالصديق الصالح خير عدة لأوقات الرخاء والشدة، فهو الذي يذكرك وينبهك ويعلمك ويصبرك ويعينك ويشحذ من عزيمتك ويواسيك في مصيبتك.
أكثر من القراءة في كتاب الله تعالى، والسيرة النبوية وقصص الصحابة والناجحين من العظماء، وابدأ بالاجتهاد والجدية والمثابرة من الآن متحليا بالاستعانة بالله والتوكل عليه، قال تعالى: (ادخلوا عليهم الباب فإن دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين).
لا أجمل وأفضل من الدعاء، فتحر أوقات الإجابة (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
أسأل الله تعالى أن يفرج همك ويشرح للصبر صدرك وييسر في سبيل تحقيق طموحاتك أمرك، والله الموفق والمعين.