النتائج السلبية لمقارنة المرء نفسه وحياته بالآخرين وحياتهم

0 610

السؤال

السلام عليكم.

أرجو إفادتي حيث إنني في عام 1982تعرضت إلى الإميبيا المتكيسة، وسببت لي القولون العصبي، مع عدم حصولي على عمل مدة عام ونصف، ومرض والدي في تلك السنة ورغبتي في الزواج من ابنة عمي، والتي لم أتزوجها ولكن تزوجت أختها بعد سنتين، وقد سببت لي تلك الأزمة حالة اكتئاب واستيقاظ مبكر وعدم راحة في الحياة.

وقد ذهبت وأكملت دراستي الجامعية بعدها، ولكن لم أعد كما كنت سابقا من الانطلاق وحب الحياة، تزوجت ابنة عمي بطريق الإقناع من عمي رغم أنني جامعي وهي لم تكمل المرحلة المتوسطة، التي كشفت لي خلال فترة الخطبة علاقتها بأخي الأكبر، ولكن كنت أنوي بزواجي منها أن أسترها وأن أوجهها للدين.

وقد رزقت منها بأربعة أبناء خلال 23 سنة من الزواج ولكنني عانيت من أعراض القولون العصبي خلال تلك الفترة والتي تركت أثرا كبيرا على نفسي، ولم أستطع التخلص منها لأنني أرى أحداثها حولي وفي أقاربي، ومن ثم تعرضت لحالة من القلق، تعالجت نفسيا منها.

ثم ذهبت للحج مع زوجتي ولكن أصبت بالسالمونيلا الذي أحدث التهابات في المسالك البولية وأثر على رغبتي الجنسية وعلى نومي أيضا.

والآن أشعر أنني فشلت في زواجي وحياتي، وأنني لم أحقق ما أريد في الحياة، ولم أتمتع حتى مع زوجتي كما كنت أتصور الزواج! أرجو التكرم بإفادتي حول الطرق التي تساعد في التخلص من تلك المشاعر السلبية والتي تنتابني، خاصة أنني أقارن وضعي بوضع الآخرين، وأقارن زوجتي بزوجات الآخرين ولا أجد فيها ما أريد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عز الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله العظيم أن يكتب لك العافية والسلامة، وأن يلهمنا جميعا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، وأن يهيئ لك من أمرك رشدا.

فإن الإنسان إذا نظر إلى من هم أقل منه في العافية والمال والولد وكل متاع الحياة الدنيا؛ وجد نفسه يكثر من ذكر الله ولسانه يلهج بحمد الله وشكره، ومن هنا كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أن ينظروا في أمور الدنيا إلى من هم أقل منهم فقال عليه صلاة الله وسلامه: (انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، لئلا تزدروا نعمة الله عليكم)، أما في أمر الدين فإننا ننظر إلى من هم أعلى منا وأكثر اجتهادا من أجل أن نتأسى بهم ونتشبه بهم لننال الفلاح ونحشر بإذن الله مع من أحببنا من الصالحين الأخيار.

ولابد أن نعلم أن الله قسم الأرزاق كما قسم الآجال، فأعطى هذا ولدا وحرمه العافية، وأعطى ذاك ولدا وعافية وحرمه من المال، وحرم الثالث من كل متاع الحياة ووهبه عقلا راجحا... وهكذا، فسبحان من لا يسأل وهم يسألون.

والسعيد هو الذي يعرف نعم الله التي ينغمس فيها ليؤدي شكرها، وبالشكر تحفظ النعم وبه ينال العبد المزيد ((لئن شكرتم لأزيدنكم))[إبراهيم:7].

ولست بفاشل في حياتك الزوجية، ولا داعي للمقارنة مع الآخرين؛ فكل إنسان له مشاكله الخاصة لكنهم يخفونها ويحصرونها في إطارها المكاني والزماني، والدنيا نعيمها منغص، وأحسن الشاعر حين قال:

جبلت على كدر وأنت تريدها .. ... .. صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام فوق طباعها .. ... .. متطلب في الماء جذوة نار

والسعيد هو الذي يرضى بقسمة الله، والعاقل لا يتطلع إلى ما في أيدي الناس، قال تعالى: ((ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى))[طه:131] ثم قال في ختام الآية: ((ورزق ربك خير وأبقى))[طه:131]، ورزق ربك من الصلاح والتقوى خير وأبقى.

والمؤمن مبتلى وهو مأجور على صبره، وعجبا لأمر المؤمن: إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وهذه هي طبيعة الحياة، وما كل ما يتمناه المرء يدركه، ولكن المؤمن يرضى بقسمة الله ويتصبر لأقداره، فارض بما قسم الله لك تكن أسعد الناس.

وقد أحسنت بزواجك من بنت العم وصبرك عليها، ولا أظنها الآن تقصر في الصبر على أحوالك، وهذه من ميزات الزواج من الأقارب فإنهن أكثر شفقة وأقرب رحما، وحق لمن رزقه الله بأربعة من الأبناء أن يحمد الله ليلا ونهارا، ويتذكر الذين حرموا من الذرية.

واعلم أنك تعرف من زوجات الآخرين الظاهر فقط، ولا يجوز لك إطلاق بصرك وإلا فسوف تتعبك المناظر، والشيطان يزين القبيح، وهو يستشرف المرأة إذا خرجت ليفسدها ويفسد بها، وحتى لو كانت المرأة التي نظرت إليها قبيحة فإن الشيطان يزينها ليفتن بها وليدخل الحزن على نفس من يطلق بصره في الغاديات والرائحات.

وإذا أردت أن تقارن فقارن نفسك بمن هم أقل منك، وتذكر أن الهدف الغالي لحياتنا هو عبادة الله التي توصل إلى جنة الله ورضوانه، أما الدنيا فنعيمها منغص ولا تكتمل فيها سعادة إنسان؛ فهي كما وصفها الشاعر الحكيم:

دار متى أضحكت يوما أبكت غدا .. ... .. يا بؤسها من دار

فاشغل نفسك بطاعة الله، ونافس غيرك ولكن في مرضاة الله، ولو كانت الدنيا لرجل واحد لما كان بها غنيا، وذلك لأنها تفنى ولأنها لا تكفيه، ولو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات