السؤال
السلام عليكم.
أعاني من أفكار وأوهام كثيرة، وبدأت تؤثر علي بشكل كبير، حتى أنني أصبحت أعتقد أنني مجنون، ومن الأمثلة على هذه الأوهام التي تراودني باستمرار، مثلا عندما أعبر الطريق أشعر بأن الناس تراقبني، وأشعر بالتوتر، ومثلا إذا كنت جالسا بمكان عام أشعر بأن تصرفاتي غير طبيعية، وأن من يراني سوف يعتقد أنني مجنون أو غير طبيعي، حتى بدأت أشعر أن هذه الأوهام حقيقة، فمثلا بالمدرسة أشعر بأن الجميع يظنني ضعيفا، أو غير عاقل، أو أبدأ أفكر بالآخرين أنهم أفضل مني، وأنهم ناجحين أكثر مني، أصبحت هذه الأوهام تؤثر علي وعلى حياتي، فأصبحت بدون أصدقاء.
كذلك أعاني من مشكلة عدم القدرة على الكلام مع الآخرين، أو حتى مع عائلتي، حيث تتشتت أفكاري، ولا أستطيع التحدث، ولا أستطيع الإجابة بمنطقية.
كذلك بدأت تظهر عندي معتقدات غير واقعية بسبب هذه الأوهام، وبدأت أصدقها، وبدأت تؤثر علي وعلى تعاملي مع الآخرين، ومن المشاكل التي بسبب التفكير، أصبحت أشعر بعدم التركيز بالواقع، أو أشعر بالخجل بدون سبب، والكثير من الأمور التي عجزت عن وصفها.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بشير حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بارك الله فيك، وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع، سائلا الله تعالى لنا ولك العفو والعافية، والبصيرة وزيادة الإيمان واليقين والثبات على الدين، والهداية إلى صراط الله المستقيم.
واضح من خلال التمعن في قراءة رسالتك، وما تجده من معاناة في كثرة الوساوس والأوهام, ابتلاؤك بنوع مرضي نفسي ولا عجب فقد ثبت أن النفوس لعوامل التربية والظروف والأزمات، والضغوط المتنوعة تمرض كما تمرض الأبدان, وهي ظاهرة في هذا الزمان والله المستعان لاسيما مع مرحلتك العمرية المبكرة نوعا ما, وقد صح في الحديث: (تداووا عباد الله ؛ فإن الله ما أنزل داء إلا جعل له دواء), ولذلك فإني أوصيك بالتالي:
- ضرورة مراجعتك للطبيب النفسي المختص وثقتك به وتعاطيك للدواء الذي يشير عليك به, فتحصيل الصحة النفسية واجب، ولا شك لحفظ الدين والنفس والعقل وغيره, كما وهو يسهم في سعادتك وراحتك ونجاحك في عموم حياتك -سلمك الله وعافاك-, وأبشرك فإن لمثل مشكلتك علاج طبي مضمون ومجرب -بإذن الله تعالى-.
- وإن مما يسهم في تخفيف حدة مشاعر الأوهام لديك، وتعزيز الثقة بالله وبالنفس لديك, إدراك حقيقة أن الإنسان مبتلى في هذه الحياة الدنيا ولا بد بألوان وصور الابتلاءات الكثيرة, وأنه مثاب على الصبر عليها بأحسن الثواب والجزاء من رب الأرض والسماء سبحانه وتعالى, كما قال -جل شأنه-: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
- فالصبر على البلاء يرفع الدرجات ويكفر السيئات كما في الحديث: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن فحتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، وقوله أيضا: (فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة).
ويمكنك مراجعة كتاب (عدة الصابرين) للعلامة ابن القيم -رحمه الله-, وكتاب (لا تحزن) للدكتور عائض القرني حفظه الله, فإنهما مفيدان في هذا الباب جدا.
- ومما يعين المبتلى على الصبر إدراك أن الصبر هو الطريق الوحيد للتخفيف من الابتلاء عقلا كما هو شرعا؛ إذ ليس للمؤمن إلا أن يصبر صبر الكرام, أو يتضجر تضجر اللئام ويئن أنين بهائم الأنعام.
- وكما يجب على المسلم الصبر على البلاء, فالواجب عليه أيضا الشروع في حل مشكلاته الواقعية عبر الطرق المادية كمراجعة الطبيب النفسي -كما سبق- مع الاستعانة بالله تعالى وذلك بمعالجة مشكلة الفقر مثلا بالسعي إلى العمل والكسب الحلال، ومعالجة المشكلات الاجتماعية عبر الحوار والصلح والتغاضي ما أمكن, ومعالجة الأمراض الصحية بالتداوي, ومعالجة مشكلة الدراسة بالاجتهاد والمثابرة , ومثلها مشكلة العنوسة ونحوها.
- كما وأؤكد عليك -أخي الفاضل- بضرورة حسن الظن بالله تعالى وزيادة تعزيز الثقة بالنفس والمضي قدما في حياتك بإيجابية وفاعلية, وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان).
- كما ومن المهم تنمية الإيمان بتعميق حسن المعرفة والصلة والطاعة للرحمن سبحانه, واستحضار معنى أسمائه وصفاته, ومنها (الحكم العدل الرحمن الرحيم) سبحانه وتعالى, ولهذا ورد في دعاء الهم والكرب قوله: (ناصيتي بيدك, ماض في حكمك عدل في قضاؤك), وما أجمل وأحكم قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا ** وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ** فرجت وكنت أظنها لا تفرج".
- ومن المهم هنا بصدد (التخلص من الضغوط النفسية والسلبية) بعد التزام الحلول الإيمانية والعلمية والواقعية, الحرص على الترويح عن النفس بالوسائل المتاحة والمشروعة, بالبعد عن العزلة لخطورتها في زيادة حدة المشكلة والمرض, وفي المقابل فمن المهم القيام بواجب زيارة الأهل والأصدقاء لاسيما أهل الصلاح والطيبة, والخروج إلى المتنزهات, ومتابعة المحاضرات والبرامج المسلية والمفيدة, ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: (أجموا هذه القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان).
- ولا أجمل وأفضل من اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء لا سيما الأدعية الواردة في دفع الهم والحزن كقوله: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال)، وحديث: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك) وحديث: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث وأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، وحديث: (لا إله إلا الله العظيم الحليم) فارجع إليها في مظانها من كتب الأدعية والأذكار وأذكار الصباح والمساء للأهمية.
- كما وأوصيك بلزوم الأذكار وقراءة القرآن والصحبة الطيبة، والدعاء والرقية الشرعية وتنمية الإيمان، لما لذلك من أثر مبارك وحسن في تحصيل عون وتوفيق الرحمن، وطرد وساوس النفس والهوى والشيطان (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا * ونحشره يوم القيامة أعمى).
- أسأل الله تعالى أن يفرج همك ويشرح صدرك وييسر أمرك، ويرزقك التوفيق والسداد والحكمة والصواب والهدى والرشاد، والزوجة الصالحة والحياة السعيدة الآمنة والكريمة المطمئنة.