كيف أصلح علاقتي بأقاربي؟

0 104

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

يا إخوان أحتاج مساعدتكم بأسرع وقت ممكن، لأنني أعيش في أيام لا يعلم بها إلا الله، هناك خلاف بيني وبين ناس تربطنا بهم علاقة نسب قريبة جدا، ومن قبلها علاقة تواصل وارتباط، ثم حصل ظرف واختلفنا، وإلى الآن مر شهران بدون أي تواصل، وللأمانة وصل بي الحال أني أضمر بداخلي الكره لهم، وأتمنى أن أراهم بأسوأ الأحوال بسبب الغيظ الذي بداخلي.

ومع ذلك أنا بين عدة نيران، نار معصية ربي، لأني هاجر لهم، وناري التي أحرقتني من الداخل، ولو تسامحت معاهم أحس بضعف، وبالأخص لو كان ردهم جافا وخاليا من المشاعر، أو لو تجاهلوا كلامي.

فهل بإمكاني أن أعتذر منهم لكن لا أكلمهم بعدها؟ لأنني انجرحت منهم بشكل كبير، ولا أقدر أن أرجع معهم مثل قبل أبدا، فياليت أن تدلوني على أفضل شيء يمكن أن أقوم به.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك، ونقدر لك ثقتك بموقعنا، وأحب أن أشير عليك بما يلي:

اعلم -أخي الكريم- أن الحياة فيها وئام وفيها اختلاف، ولا تستقر على حال واحدة، وهؤلاء الذين اختلفت معهم هم بشر ليسوا معصومين، ولا بد أن نوجد في أنفسنا مساحة للتسامح والعفو والصفح لننال رضا الله: "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم" فعندما نزلت في حق أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: بلى والله أحب أن يغفر الله لي، ولك أسوة في يوسف عليه السلام، وأنت تعلم ما حصل من إخوته من أذى امتد لعقود هموا بقتله، رموه في البئر، فرقوا بينه وبين أبيه وأمه صار عبدا مملوكا، كل ذلك وهو صاحب النفس الكبيرة العظيمة عندما رؤوا ما صار إليه من الخير العظيم، فاعتذروا منه فما كان منه إلا أن: "قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين" بالعفو والصفح تطيب الحياة، ونستطيع أن نتغلب على مشاكلنا، وحتى تعود المياة إلى مجاريها ويكون صلة الرحم. سامح واعفو واصفح قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا" رواه مسلم.

إذا اعتذرت لهم فاجعل هذا الاعتذار تقربا إلى الله تعالى، ولا داعي للتشاؤم وأنهم سيقابلون اعتذارك بالجفاء، أو التجاهل، فأظن أن هذا التفكير السلبي ليس واقعيا في الغالب فإن النفوس تسامح من اعتذر إليها وتحسن إليه، وإن حصل العكس وتجاهلوا اعتذارك فأنت قد فعلت ما يلزم عليك شرعا، وارضيت ربك ولكن الأجر عند الله تعالى.

وأمر آخر: حقيقة أنا أرضى لك ما أرضاه لنفسي، فعليك أن تجعل العلاقة بعد التسامح في أبهى صورها، وأفضل مما كانت عليه، فإذا طلبت العفو وأبديت التسامح فهذه خطوة في الطريق الصحيح، ولكن لا تكتفي بمجرد التسامح فقط، ثم تترك الكلام معهم، أو التواصل بهم، كلا... مهما كان الجرح عميقا ومؤثرا في نفسك، لكنك تستطيع نسيان الماضي، فالذكريات المؤلمة لا تفيد في المستقبل إذا استصحبناها إلا حزنا وكآبة، وأنت لا تريد ذلك لنفسك، وأنت تستطيع أن تبعد عن نفسك مداخل الشيطان الذي يريد منك قطع الرحم، وترك التواصل، قال تعالى: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم" وأنت تقدر على الإحسان إليهم، قال تعالى: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" ويوسف عليه السلام قال لإخوته بعد أن عفا عنهم:"اذهبوا بقميصي هٰذا فألقوه علىٰ وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين ".

ثم أعلم -أخي الكريم- أن شريعتنا الإسلامية جعلت وقتا مناسبا لا يزيد عن ثلاثة أيام حتى نزيل ما في نفوسنا من ألم بسبب الخلاف، والزيادة عن ذلك يعد هجرا مذموما، وصاحبه آثم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام".رواه البخاري، قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: في هذا الحديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال وإباحتها في الثلاث... وإنما عفا عنها في الثلاث لأن الآدمي مجبول من الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفا عن الهجر الثلاث ليذهب ذلك العارض".

وأنت تعرف هذا الحكم، وقد حاك في نفسك، ولهذا طلبت المشورة منا، ولهذا فإن قطع التواصل لمدة شهرين هذا كثير، فأوصيك بتقوى الله تعالى، والمسارعة إلى التسامح وحسن الصلة بمن اختلفت معهم، وابدأ الآن بالاتصال بهم كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" رواه البخاري، ولا تكتفي بالسلام فقط، فإنما السلام هو بداية لإزالة الهجر وليس كافيا، قال الإمام أحمد وابن القاسم المالكي: ترك الكلام إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجره.

وفقك الله لمرضاته.

مواد ذات صلة

الاستشارات