السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حالتي تقريبا قبل سبع سنوات، تقريبا في صلاة الجمعة، أحسست بدوار، وبعدها استمرت معي الحالة رهاب من الصلاة، خاصة إذا كنت في الصفوف الأولية، وخلفي مصلين، حيث أشعر بدوار ودوخة، وخفة في الرأس وتعرق، وبعد الصلاة تزول، والآن لي فترة طويلة أصليها في البيت.
والحالة الأخرى إذا كنت في مجتمع، وطلب مني الصلاة بهم أرتبك ارتباكا لا أستطيع الوقوف والتعرق والدوخة، حالتي طبيعية غير الحالتين اللتين ذكرتهما فقط.
أمارس حياتي بشكل طبيعي والرهاب لا يأتي إلا فقط أمام الجمهور، أو في صلاة كصلاة الجمعة، أو صلاة يكون خلفي مصلون.
علما أن عمري ٣٦ سنة، ولدي أطفال، وأستخدم علاج ضغط كوفر سيل ورماتكس.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فهد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
- بارك الله فيك – أخي العزيز – وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, حفظك الله من كل سوء ومكروه, ودفع عنك الآفات والأمراض الحسية والنفسية والمعنوية.
- لابد – حفظك الله وعافاك – من تغيير وتبديد مخاوفك إزاء ما يتعلق بما ذكرت من أمر المسجد والجمعة والجماعة ونحو ذلك مما تشعر به بالحرج والرهاب منه, فالواجب مخالفة هذا الخوف أو الرهاب الاجتماعي والنفسي الذي يعيق علاقتك بربك وبالناس بالتدريج, ولا ينبغي لك المبالغة في مشاعر التوتر والقلق والاضطراب.
- استحضار أن هذا الخوف أو ما يعرف بالرهاب إنما هو لديك محدود بأشياء معينة ولم يتوسع إلى مجالات أكبر بفضل الله تعالى عليك؛ بدليل عدم تعطيله لحياتك عامة, وشجاعتك في استشارة الموقع عما يهمك ويقلقك كما هو واقعك الآن مشكورا مأجورا, ولذلك فإني مطمئن بقدرتك على تجاوز مشكلتك شريطة أن تثق بنفسك وتحسن الظن بربك وقدراتك في إمكانية تغيرك إلى الأحسن بمعونة الله أولا، ثم مساعدة نفسك على التخلص من أخطائك, فلا بد من أن تبني ثقتك بنفسك وترسم لها الأهداف والطموح في الحياة، وأن تعتز وتفخر بنفسك وتحبها وتقدرها وأن تواجه بنفسية هادئة وواثقة وإيجابية ومتفائلة مشكلات الحياة بالتدريج ولا تخش العواقب, وقد صح في الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. احرص على ما ينفعك , واستعن بالله ولا تعجز) كما في صحيح مسلم.
- ضرورة مواجهة الخوف بالتحلي بالإيجابية والتفاؤل والثقة, والحرص على الانتصار عليه وضرورة إزاحته عن تفكيرك وإشغال نفسك بالأعمال التي تصرفك عن التركيز عليه والانشغال به وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف... احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.
- تعزيز الثقة بالله تعالى طريقا إلى تعزيزها بنفسك وتقوية إرادتك والتخلص من مخاوفك, ولا شيء أفضل في تحقيق ذلك من تعميق الإيمان بالله وقدره خيره وشره حلوه ومره والتسليم بقضائه والصبر على بلائه, واستحضار حسن ثوابه وجزائه للصابرين والشاكرين, وأن المنح كثيرا ما تكون من خلال المحن كما قال تعالى : (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وقال سبحانه : (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم).
- الإصرار على المحافظة على الصلوات فرائضها ونوافلها، لا سيما قيام الليل، وكذا المحافظة على الأذكار وقراءة القرآن والاستماع إليه, فإن ذلك مما يريح القلب ويشعرك بالأمان والراحة النفسية، ويصرف عنك الخوف والمنغصات وكل مزعجات الحياة.
- ومما يسهم في طرد المشاعر السلبية أيضا محاولة التنفيس عن خوفك بالحديث مع الشخص أو الأشخاص القليلين الذي تثق وتطمئن إلى دعمهم وحكمتهم والذين يحرصون على نصحك وتذكيرك بالله وثوابه واصطحابك لرياضة المشي والتنزه ونحو ذلك.
- من المهم تحديد موعد مع الطبيب النفسي والحصول على المساعدة من المتخصصين لوصف العلاج الدوائي والسلوكي والمعرفي، والذي ثبتت نجاعته بإذن الله, وإدراك أن لهذه الصدمات النفسية أمدا محددا ما يلبث أن يزول بعامل الوقت بإذن الله كما هو شأن كثيرين غيرك، فلا يخفى أن النسيان طبيعة بشرية وهو وإن كان نقصا من جهة إلا أنه نعمة من علينا بها الرحيم الرحمن, ولولاها للازمتنا الكثير من الهموم والأحزان.
- ولا أجمل وأعظم من اللجوء إلى الله تعالى بخالص الدعاء والابتهال إليه متحينا أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل وفي الصلاة وأدبار الصلوات المكتوبة, كيف لا؟ وقد قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)، (وقال ربكم أدعوني أستجب لكم)، (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، وفي الحديث: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).
- أوصيك بلزوم الأذكار, ومنها أذكار الصباح والمساء, وتكرار (حسبنا الله ونعم الوكيل) (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) والاستغفار.
- أسأل الله أن يفرج همك ويكشف غمك ويتولى أمرك ويشرح صدرك ويقوي إيمانك وعزيمتك, ويدفع عنك السوء وأهله ويرزقك التوفيق والثقة والاطمئنان والسعادة والراحة والأمان في الدنيا والآخرة والنجاة من النار والفوز برحمته والجنان والرضوان.
- ومن المهم هنا توفر دعم الأصدقاء الأمناء لك بمحبة ونصح في مرافقتك للمسجد والجمعة والجماعة مهما كانت البداية محرجة وصعبة, لكن النهاية بإذن الله طيبة, وكما قيل في الحكمة: (من لم تكن بدايته محرقة, لم تكن نهايته مشرقة)، قال تعالى: (ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون * وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين), وستدرك بعد نجاحك كم كانت هذه المخاوف جاهلة وجائرة, وستحمد الله على عونه وتوفيقه, وعند الصباح يحمد القوم السرى, كما يقال في المثل, ولاشك أن نجاحك في البداية يسهم في مواصلة مسلسلة نجاحك حتى النهاية بإذن الله لزوال العائق النفسي والوهمي.
- أوصيك بطلب العلم النافع، وتوسيع دائرة ثقافتك واطلاعك في متابعة الكتب والدروس والبرامج النافعة والمفيدة والمحافظة على الأذكار والصحبة الطيبة ومجاهدة النفس: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
- أسأل الله أن يرزقك الله التوفيق والسداد وألهمك القوة والرشاد والحكمة والحزم والثبات والصواب, وأسعدك في الدنيا والآخرة.