السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أكتب رسالتي هذه وأنا غارقة في بحر الحزن والاكتئاب والجنون.
أرجو منكم أن تتفهموا وضعي لأنني متعبة جدا، وأتمنى الموت قبل أن يحدث مني كفر بالله.
كانت لدي صديقة ملحدة، لم أبال بموضوع الإلحاد هذا، حاولت النقاش معها لكنها كانت ترفض وبشدة، فلم نتناقش أبدا، لكنها أول شخص أعرف منه معنى الإلحاد، فلم يتبادر في ذهني عن الإلحاد شيء من قبل، كنت أحب أن أذكر الله كثيرا، وخاصة في فترة الإجازة، وكنت مطمئنة جدا، لكن منذ شهر 7 تقريبا، رأيت مقطعا لأحد الملحدين، وقمت ببحث ما قاله، ومنذ ذلك اليوم وأنا في دوامة وخوف، حتى أن وزني انخفض، وأهلي قلقون علي، كما أنني أحدث نفسي. لا تقولوا أنا في النار وأنتم في الجنة، أود أن أشعر بالطمأنينة فأنا متعبة.
أفكر في الكون، وأنه محال أن يكون صدفة، وأبحث عن قصص لأناس دخلوا الإسلام.
مقتنعة من داخلي بأن الله موجود، وأن الإسلام هو الصحيح، لكنني جاهلة ولا أستطيع ردع الشبهات، استرسلت كثيرا مع الوسواس، والمصيبة أنني أبحث في قوقل عن كل شاردة وواردة.
أحدثكم وأنا نصف ميتة، جسد بلا روح، أحبس نفسي وأنعزل عن الجميع.
كلما حاولت أن أجلس مع أهلي أشعر أنني سوف أختنق، وأن هناك شيئا يقول لي أنت لست مؤمنة، خائفة من أن ينشرح صدري لهذا الشعور.
بأسلوب غير مباشر اعتذرت لصديقتي إن كنت قد جرحتها، قلت بنفسي ربما ما أعانيه هو عقاب من الله، لأنني استنقصت تفكيرها، أرجوكم ساعدوني.
إيماني ضعيف والشبهات تقتلني، وأود قتل نفسي للتخلص من كل هذا، أدعو الله دوما وأشكو له، ولكنني أشعر بأن هناك حاجزا بعيدا عني، وكأنني لا أدعو أحدا، أشعر بعدم وجود السلام الداخلي، فهل إذا مت وفي قلبي كل هذه الأفكار سأدخل النار؟
ماذا أفعل؟ قرأت عن صراحة الإيمان ولكن أنا جاهلة، لا يمكن مقارنتي بالصحابة، علما أن شخصيتي شخصية موسوسه، وعانيت من وساوس الأمراض.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ Sara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
ما من أحد إلا والهموم تنتابه ما بين الحين والآخر، ولكن المؤمن يلجأ إلى ذكر الله والاستغفار والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهي من خير ما يعين على التخلص من تلك الهموم، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، ونبينا -عليه الصلاة والسلام- يقول: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
المؤمن يؤجر على كل ما يصيبه، سواء كان ذلك هما أو مرضا أو شوكة ...إلخ، ففي الحديث الشريف يقول -عليه الصلاة والسلام-: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
لا يجوز للمسلم أن يتمنى الموت لضر نزل به، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به وإن كان فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خير لي).
لست ملزمة شرعا ولا عقلا بمناقشة الملحدين، وإنما ذلك لأهل الرسوخ في العلم، وأما بقية الناس فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فالمسلم قليل العلم ضعيف الإيمان يجب عليه أن ينأى بنفسه عن الفتن وأهلها، وإلا فإنه يوشك أن يقع فيها كما ورد في الحديث: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به).
أنصحك بأن تقطعي النقاش والبحث عن أفكار أولئك المجرمين، وأن تغيري المسار إلى تلاوة القرآن وتفسيره والحديث النبوي وشروحاته وكل ما يتعلق بالإيمان والمعجزات الكونية التي تحدث عنها علماء الإسلام، وأن تجتهدي في توثيق صلتك بالله وتقوية إيمانك، من خلال كثرة وتنويع الأعمال الصالحة القولية والفعلية، وأن تجتهدي في أداء ما افترض الله عليك قبل النوافل، ومن ثم عليك أن تستكثري من النوافل، وخاصة تلاوة القرآن ونوافل الصلاة والصوم؛ فذلك جدير بأن يرفع منسوب إيمانك -بإذن الله سبحانه-.
الطمأنينة التي تبحثين عنها ستجدينها في ذكر الله كما أمر وفي عبادة الله سبحانه وتعالى، والابتعاد عن أهل الشك والريب والبدع والضلالات.
اقرئي عن علماء اليهود والنصارى وغيرهم الذي دخلوا في الإسلام لما رأوا الآيات المبهرة التي أودعها الله في الكون بعد أن كانوا ملحدين.
أنت تعانين بدون شك من الوساوس الشيطانية في هذا الجانب، وعليك أن تتخلصي منها بالدواء الناجع الذي وصفه سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهذه الأمة والملخصة بما يأتي:
- احتقري تلك الوساوس ولا تتفاعلي أو تتحاوري معها؛ فإن التحاور والاسترسال معها علامة ضعف الإنسان أمام الشيطان الرجيم، ومن هنا يكون دخوله وانتقاله مع الشخص من مرحلة إلى أخرى.
- استعيذي بالله من الشيطان الرجيم كلما أتتك تلك الخواطر؛ فإن الاستعاذة تطرد الشيطان الرجيم كما قال تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ۖ إنه هو السميع العليم).
- عليك بكثرة الذكر فإنه يطرد الشيطان، يقول سيدنا ابن عباس -رضي الله عنهما-: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).
- قطع تلك الوساوس من خلال القيام من المكان الذي أتتك وأنت فيه والانشغال بأعمال تخرج فكرك عنها.
- ابتعدي عن الانعزال عن أهل بيتك، وشاركيهم في الأعمال الجلسات والحوارات؛ فالعزلة سبب من أسباب تسلط الشيطان على الإنسان.
أنت ولله الحمد لا زلت على الإسلام، وما تجدينه من الصراع النفسي الداخلي دليل إيمانك -إن شاء الله تعالى-، والمهم هو أن تعيني نفسك وتجاهديها من أجل الخروج من هذه الدوامة، فعلاجك بيدك بعد توفيق الله لك.
- أكثري من الدعاء وأنت ساجدة وتحيني أوقات الإجابة، وسلي الله تعالى وأنت موقنة بالإجابة أن يدفع عنك وساوس الشيطان، ولن يخيب الله رجاءك، ولن يرد يديك صفرا.
- اطلبي من والديك الدعاء فدعوتهم مستجابة.
- صادقي الصالحات من زميلاتك اللاتي يكن معينات لك على فعل الخير.
التحقي بحلقة لتحفيظ القرآن الكريم؛ فذلك سيعينك على الخروج من الجو الذي تعيشينه.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.