السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
زوجتي إنسانة طيبة، وتقوم بواجبها كاملا تجاهي، إلا أنها ترفع صوتها وتشمتني عندما نتخاصم ولكنها تعتذر بعد ذلك، إضافة إلى ذلك هي لا تريد أن نذهب لنزور أبي وأمي في منزلهم كل يوم جمعة من كل أسبوع، وتقول يكفي أن نذهب إليهم مرة كل أسبوعين بحجة أنني أعمل طوال الأسبوع صباحا ومساء، وإجازتي فقط يوم الجمعة، فهي تحبذ أن نقضيها سويا في المنزل، أو نخرج في نزهة.
والمشكلة الأخرى: هي أن أمي وأبي يريدون أن أسكن معهم في نفس العمارة، هم في شقة وأنا في شقة أخرى، وزوجتي ترفض ذلك، ولا تريد أن نسكن معهم أو قريبا منهم، بحجة أنها تريد خصوصية أكبر، فما النصيحة التي توجهونها لي في هذه المشكلات؟
أثابكم الله وسدد خطاكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
ينبغي أن تدرك وأن تكون على يقين أن طبائع الناس تختلف، ففي البيت الواحد تجد طبائع شتى فمنهم من يكون سريع الغضب ومنهم الهادئ ومن يتحكم بأعصابه ومنهم الممسك للسانه ومنهم المطلق لها ومنهم من يحب الانتقام ومنهم الحليم وهكذا.. فإذا كان هذا في البيت الواحد ففي خارجها من باب أولى.
يظهر لي أنك من النوع الحليم الصبور المتحكم بأعصابه، وهذا من فضل الله عليك أيها -الأخ الكريم-، وهي نعمة تستحق أن تشكر الله عليها.
عليك أن تدرك أن فضائل زوجتك كثيرة، فهي طاهية طعامك، وغاسلة ملابسك، ومربية أطفالك، ومكان قضاء وطرك، وإن كانت سريعة الغضب وترفع صوتها عليك، وربما تشتمك، فهذا ناتج عن انفلات أعصابها، ويكفيك أنها تعترف بخطئها وتعتذر لك، وعليك أن تغض الطرف عما يحصل منها أثناء فوران الغضب؛ فالمرأة في الأصل خلقت من ضلع أعوج.
ينبغي أن تبتعد عن الأسباب التي توصلكم للتنازع والتي تؤدي إلى غضبها، ومن ثم رفع الصوت وطول اللسان والسب، فإن فعلت ذلك قضيت على هذا الأمر السيء الذي يصدر من زوجتك.
تحين الفرص المناسبة للحوار في قضايا البيت وأوقف التحاور إن رأيت عليها ملامح الغضب.
عودها على كبح جماح غضبها ودربها على ذلك، فقد ورد في الحديث: (العلم بالتعلم والحلم بالتحلم والصبر بالتصبر).
عاملها بأخلاقك وقيمك لا بأخلاقها، وتذكر دائما أنها تقر لك بالجميل، وأنها ستعود وتعتذر إن بدر منها أي خطأ.
لن يستمر الحال على ما هو عليه؛ فالإنسان كلما تقدم سنه سنة واحدة تغيرت سلوكياته واكتسب خبرة وتعلم من الآخرين، وعليك أن تكون قدوة لها.
ركز على تقوية إيمانها وتوثيق صلتها بالله سبحانه من خلال كثرة العمل الصالح كما أنصحك أن تتدارس معها أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام التي تحث على تحسين السلوك، وذلك من خلال كتاب رياض الصالحين وشرحه للشيخ العلامة ابن عثيمين رحمة الله على الجميع.
عليك أن تكون متوازنا في حياتك، وأن تعطي كل ذي حق حقه كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو حين قال له: (إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك (ضيفك) عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه.
أقترح عليك أن تخصص في بعض الأيام ساعات لزيارة والديك دون أن تشعر زوجتك بهذا وأكثر من التواصل معهما عبر الهاتف وخذ بخواطرهما واقض حوائجهما فوالداك هما أكثر من يتفهم وضعك ويود سعادتك.
بعض الزوجات تصيبها الغيرة من الأم إن أظهر الولد التعلق بها، ولذلك أنصحك ألا تظهر تعلقك بوالديك، واسلك سبلا أخرى للبر بهما كما ذكرت لك سابقا.
من حق زوجتك أن تطلب الجلوس أو التنزه معك يوما في الأسبوع، وأرى أن كلامها منطقي، كونها تقول أسبوع لها والأسبوع الآخر تقضونه عند والديك، فالزوجة تريد أن تأخذ راحتها وخصوصيتها مع زوجها، وهذا ما لن تجده في اليوم الذي تقضيه في بيت والديك.
طالما وأنت لم تتزوج في نفس العمارة التي فيها والداك، أو أنك كنت فيها ثم خرجت فأرى أن الانتقال إليها مع رفض زوجتك سيفتح عليك مشاكل كثيرة، ولذلك أنصحك أن تبقى مبتعدا حتى لا يتسبب ذلك في مشاكل ليس مع زوجتك فحسب بل قد تتسبب في عقوق لوالديك.
اقترب من والديك أكثر، واطلب منهم الدعاء، وخذ برضاهما، واعتذر عن أي تقصير عليهما، ولن تجد منهما بإذن الله إلا التقبل لعذرك.
خفف من أعمالك ما استطعت؛ فالدنيا لا تنتهي، واجتهد في العودة للمنزل مبكرا، فذلك مما سيبعث الطمأنينة في نفس زوجتك.
تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة كما بين الأذان والإقامة، وفي الثلث الأخير من الليل، ويوم الجمعة في الساعة الأخيرة منها قبل المغرب، وسل الله تعالى أن يحسن من أخلاق زوجتك، وأن يرزق والديك الرضى بما تقوم به وأن يمنحك رضاهما.
وثق صلتك بالله واجتهد في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من العمل الصالح، وأولاها أداء ما افترض الله عليك، فالحياة الطيبة الهادئة لا تنال إلا بذلك يقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
احذر من الذنوب والمعاصي؛ فإن آثارها تظهر على سلوكيات الزوجة وبقية الأهل، بل حتى على سيارتك قال الحسن البصري: "والله إني لأعلم ذنبي في خلق زوجتي وفي خلق دابتي".
الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أأجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.