السؤال
السلام عليكم
أنا عمري 30 سنة، وصلت الآن في مرحلة أنني أريد الزواج، الأمور متيسرة ماديا بعض الشيء، ولكن مشكلتي الأعظم أنني أعاني من قصر القامة فطولي 160 سم، والسبب وراثيا من ناحية الأم، وقد عانيت طيلة الفترات من تعليقات كثيرة في المدرسة وفي العمل، لا تؤذيني التعليقات في ذاتها، ولكنني أحس بالخوف من التقدم لخطبة أي فتاة فترفضني بسبب قصر قامتي، خاصة وفي جميع الأوساط أشاهد الفتيات يعجبن بذي القامة الطويلة، وهو ما يسبب لي الكثير من الضيق والخوف وعدم الرضا.
أنا دائم النظر للمرآة، وأحتقر نفسي كلما أحسست بتلك المشكلة، لدي رغبة في الزواج خاصة وأن تكاليف الزواج ليست معضلة، وإنما هذه المشكلة التي تؤرقني، أنام وأنا أفكر فيها، وعندما أمر أو أتحدث مع فتاة أطول مني أحس بإحراج وضيق شديد، ورغم قيام أهلي بترشيح الكثير من الفتيات لي، لكنني أتراجع دوما خشية الرفض بسبب قصر قامتي، فأشعر إن رفضت لهذا السبب سأعزف عن هذا الموضوع نهائيا.
بالله عليكم أريد نصيحتكم في الخروج من هذه الدائرة المغلقة، وماذا تنصحونني أفعل؟ لأنني أكاد أجن من كثرة التفكير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Khaled حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فمرحبا بك -ابننا الكريم، وأخانا الفاضل- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يوفقك ويقدر لك الخير، ويصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولك في طاعته الآمال.
كلام الناس لا ينتهي، ورضاهم غاية لا تدرك، ولم يسلم منهم حتى الرسل الكرام صفوة الخلق، والناس إذا وجدوا الطويل لمزوه، أو وجدوا القصير عابوه، وإن وجدوا النحيف سخروا منه، أو وجدوا السمين عقدوه، وهكذا، والسعيد من شغله عيبه عن عيوب الناس، والناجح السعيد من اكتشف عناصر القوة في نفسه وحمد الله عليها.
ولا يخفى عليك أن ربنا العظيم لا ينظر إلى صورنا، ولا إلى أجسادنا، ولكنه سبحانه ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فهنيئا لمن أتى الله بقلب سليم، وتقرب لله بأعمال لم يرد بها إلا وجه الله، وتقيد فيها بهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال سبحانه: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
أما بالنسبة لموضوع الزواج، فالتلاقي فيه يكون بالأرواح، وهي جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، فكم من طويل أحب قصيرة، وكم من قصير كان ميله وهواه مع امرأة طويلة، وكم من قصير تزوج من قصيرة.
وأرجو أن تعلم أن نعم الله مقسمة، وقد أنعم الله عليك بالمال والصحة، بل عليك بالاستعداد للتقدم لطلب الزوجة، فاحمد الله على ما أولاك، وثق بأنك مقبول، والكثيرات يبحثن عن أمثالك من الشباب الراغب في الحلال عبر المجيء للبيوت من أبوابها، وتذكر أن حكمة الحكيم اقتضت أن يكون للناس في ذلك مدارس وأمزجة مختلفة، ولولا اختلاف وجهات النظر لبارت السلع، فما من شاب إلا وقد هيأ الله له من تهيم فيه حبا، وما من فتاة إلا وجد في الرجال من يراها قمرا، فسبحان الرزاق الكريم.
وإذا التفت الإنسان حوله فسوف يجد قصار القامة لهم زوجات وأبناء ووظائف، وسوف يجد الطوال، وقد رزقهم الله بالأولاد والوظائف، والحياة تمضى بالجميع، والفلاح لمن يفنى وقته وحياته في طاعة العليم السميع، ويرضى بما يقدره له القدير، قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار)، وقال الفاروق -رضى الله عنه-: (وجدنا أطيب عيشنا في الصبر).
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونوصيك بالإسراع في إكمال نصف دينك، والدخول إلى القفص الذهبي -كما يحلو لبعضهم أن يسميه- ولا تلتفت لكلام الناس، واعلم بأن من ترفضك هي الخاسرة، كما أنه ليس عيبا في الرجل أن لا تقبل به فتاة، كما أنه ليس نقصا في الفتاة أن يتركها شاب، فالأمر لله من قبل ومن بعد، وكل شيء بقضاء وقدر، ولن يحدث في كون الله إلا ما أراده الله، فلا تحاصر نفسك بالأوهام، واعلم أن العقلاء عندهم ما يشغلهم من معالي الأمور، أما أصحاب السفه وخفة العقل فهم من يعلقون على الناس ويعيبون عليهم، وذلك دليل على فقرهم وجهلهم، بل هو دليل على امتلائهم بالعيوب، وقد قال قائل: يعيب على الناس بقدر ما فيه من العيوب، وقد صدق الشاعر في قوله:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص .. فهي الشهادة لي بأني كامل
وهل البشر جميعا إلا ناقص ابن ناقص، وأعور يدافع عن أعور، وربنا ما جعل الجنة للطوال أو للقصار، والخالق لم يخيرنا إن كنا نريد الطول أو القصر، أو الغنى أو الفقر، وكل هذه ليست من كسب الإنسان، ولكن الامتحان والاختبار في قوله تعالى: "ليبلوكم أيكم أحسن عملا"، وصدق من قال:
مقدار كل امرئ ما قد كان يحسنه .. والجاهلون لأهل العلم أعداء
أسأل الله أن يوفقك وييسر لك زوجة صالحة تسعدك وترضيك، وتعينك على الخير وتعينها على البر والتقوى، ونكرر الترحيب بك.