السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة صاحبة شخصية قلقة، وأكون مهمومة جدا عند الأمور المصيرية كالدراسة والعمل، توظفت وكنت أخشى أن تسند لي مهام لا أستطيع إنجازها، فأشعر بهم وضيق وقلق، وتعبت نفسيتي حتى تركت الوظيفة، وأنا روتينية لا أحب التغيير.
الآن أنا مقبلة على مرحلة الزواج بعد شهرين، وأشعر بالقلق، وأني لن أتقبل الحياة الجديدة، ولن أتأقلم معها، إذا سافرت أشعر بالضيق من التغيير، ولا أرتاح إلا إذا رجعت منزلي وروتيني، لا أعلم لماذا أشعر بهذا القلق!
الزواج تغيير، وأنا لا أحب التغيير، وأخشى أني لا أستطيع الاستمرار وأكتئب، علما أني أتواصل مع زوجي الآن قبل الزواج، وأحبه وأرتاح له، لكن مشكلتي عدم تقبل التغيير والحياة الجديدة.
أنا يا دكتور لجأت إليك بعد الله لأني تعبت من التفكير والقلق، فأنا حاليا أشعر بتوتر وصداع وقلة الشهية للأكل والنوم، ولا أستطيع التوقف عن ذلك؛ فالقلق أتعبني.
أريد أن تعطيني يا دكتور طريقة للتواصل معك لمساعدتي إلى أن تنحل مشكلتي ويتم زواجي، فأهلي لا يقبلون أبدا بأن أراجع طبيبا نفسيا، وأخشى أن أفسد زواجي بيدي، وأريد علاجا غير الأدوية؛ لأني قررت الإنجاب من بداية الزواج، وأخشى أن يؤثر الدواء على ذلك.
أرجوك ساعدني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ hanaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إن ما تعانين منه - يا عزيزتي- هو حالة شديدة من القلق النفسي، والقلق النفسي قد يتشعب ويكون في جوانب عدة من حياة الإنسان، وعلى ما يبدو بأن لديك نوعا خاصا يسمى بقلق الانفصال، وهو حالة نفسية تتمثل في إصابة الإنسان بحالة من الخوف الشديد عند الابتعاد أو الانفصال عن أشخاص معينين في حياته، أو عند الابتعاد عن الأماكن والأعمال التي اعتادها؛ فالابتعاد بالنسبة لهذا الشخص يعني فقدان هذه الأشياء للأبد أو الفشل فيما هو قادم عليه، ومجرد التفكير في هذا الأمر يثير لديه نوبة قلق وهلع، ومع الوقت فإن القلق المزمن يسبب له الاكتئاب، وتتداخل الأعراض مع بعضها البعض.
إن من يعانون من قلق الانفصال هم أشخاص عاطفيون جدا، يتصفون بأنهم يسعون للحصول على الرضى والقبول من قبل الآخرين، ولديهم انتماء وارتباط عاطفي ونفسي شديد بالأشخاص والأشياء والأماكن.
وقد تبين حديثا بأن الوراثة تلعب دورا في كثير من الأمراض النفسية، ومن ضمنها هذه الحالة، كما تبين أيضا بأن نسبة إصابة الإناث بهذه الحالة أعلى من نسبة إصابة الذكور.
إن هذه الحالة تتميز بنوبات اشتداد كلما حدث ظرف أو تغيير جديد في حياة الشخص، وإعطاء العلاج الدوائي فيها يعتبر أمرا هاما؛ لأنه سيساعد في زيادة فرص نجاح العلاج السلوكي، ولأن الدراسات الحديثة قد أظهرت بأن هنالك اضطرابا في مستوى بعض النواقل العصبية في الدماغ تحدث في هذا المرض، وإعطاء العلاج الدوائي سيعمل على تعويض هذا النقص في هذه النواقل.
ومن المهم جدا أن تقومي بمراجعة طبيبة نفسية؛ فالحالة بحاجة إلى تقييم جيد لمعرفة جذور المشكلة، وهل يرافقها أعراض أخرى غير القلق، فلا تكفي رسالتك هذه للمتابعة وحل المشكلة بل أنت بحاجة إلى متابعة مستمرة، خاصة بعد تناول العلاج الدوائي.
في حال لم تتمكني من مراجعة الطبيبة؛ فإن العلاج لحالتك هو علاج مشترك: سلوكي ودوائي، والعلاج السلوكي يعتمد على:
1- تدريب نفسك على تقبل كل الاحتمالات عندما تواجهين تغييرا أو ظرفا ما يسبب لك الخوف والقلق، فمثلا بشأن الزواج: قولي لنفسك بأن الزواج هو حياة مشتركة لشخصين مختلفين، ويتطلب التنازل والتضحية من كلا الزوجين، وقد تحدث فيه أمور خارجة عن إرادتي وقد لا يضمن هذا الزواج السعادة لي؛ لذلك قد يكون زواجي ناجحا وقد لا يكون، كل الاحتمالات واردة وعلي أن أتقبلها، لكنني سآخذ بكل الأسباب من أجل إنجاحه، ثم أتوكل على الله عز وجل، وهكذا في كل أمر أو ظرف تتعرضين له حاولي أن تدربي نفسك على وجود كل الاحتمالات، فلا شيء مضمون في هذه الحياة 100٪.
2- دربي نفسك على عدم اجترار الأفكار القديمة، خاصة الأفكار المضطربة والتجارب السلبية، فعندما تراودك فكرة سلبية أو غير منطقية، حاولي أن تتركيها تمر مرورا عابرا في ذهنك، ولا تقومي بتعزيزها بالتخيلات، بل قولي لنفسك: أعرف بأن ما ينتابني الآن هو مجرد أفكار غير منطقية وغير حقيقية، ولا تتماشى مع الواقع، هي مجرد أفكار وتخيلات وسأتركها تمر في ذهني بدون تضخيم، ثم قومي بتغيير مكانك إلى مكان آخر، واشغلي نفسك بعمل تحبينه.
3- قومي بالتحدث بلطف وبإيجابية مع نفسك حول نقاط الضعف التي تعانين منها، وحول الأخطاء التي حدثت معك، وسامحي نفسك عليها، وحاولي إيجاد الحلول والبدائل لها؛ فالتحدث بلطف وإيجابية مع النفس يعزز من ثقة الإنسان بشخصيته ويبعد عنه الأفكار المضطربة.
4- دربي نفسك تدريجيا على مواجهة المواقف التي تخافين منها، فمثلا: تخيلي نفسك وقد تزوجت ومر على زواجك بضعة أيام، واسألي نفسك عن المواقف التي قد تحدث خلال هذه الأيام وتسبب لك القلق، كيف يكون تصرفك في حالة إصابتك بنوبة قلق، وكيف ترين التصرف الصحيح؟ ثم دربي نفسك على ممارسة هذا التصرف الصحيح.. وهكذا تخيلي المواقف الصعبة أو المقلقة التي قد تواجهك، ثم ضعي لها سيناريو التصرف الذي تجدينه مريحا لك، ودربي نفسك عليه مسبقا.
وبالطبع -يا ابنتي- فإن العلاج الدوائي هو أمر هام، ويمكنك تناول دواء تركيبه (Buspirone HCL) ويسمى (Buspar)، فهو سيجعلك أقل توترا وقلقا، وسيجعل أفكارك أقل اضطرابا، وهو دواء آمن جدا ومسموح بتناوله خلال الحمل، وستتناولينه لبضعة أشهر فقط، وابدئي بنصف حبة من عيار 7,5 ملغ في الصباح، ونصف حبة في المساء، أي خلال اليوم ستتناولين حبة واحدة فقط، وذلك لمدة 3 أيام، ثم اجعليها حبة كاملة من عيارة 7,5 في الصباح وحبة كاملة في المساء، واستمري على هذه الجرعة مدة شهر ونصف، فإذا شعرت بتحسن فهذا هو المطلوب، وعليك الاستمرار بهذه الجرعة مدة 3 أشهر أخرى، وإذا لم تشعري بتحسن؛ فيمكنك الكتابة إلينا ثانية لإرشادك إلى الخطوة القادمة، وأكرر بأن الأفضل أن تتابعي مع طبيبة أمراض نفسية، حتى خلال تناول هذا العلاج، وذلك لتقوم بتقييم حالتك عن قرب، ويمكن التواصل معنا بنفس الوقت عبر الموقع لزيادة الفائدة.
أسأل الله عز وجل أن يمتعك بثوب الصحة والعافية دائما.