السؤال
السلام عليكم.
شاب، عمري 30 سنة، أنهيت دراستي الجامعية ولم أحصل على وظيفة، وأنا حاليا غير متزوج، تعودت على العمل في منزل مع والدي حيث أهتم له بالمواشي، وكلما أردت أن أعمل في مجال معين سواء في البناء أو أي شيء آخر أمله بسرعة، مع الاستمرار في العمل المعتاد في المنزل.
أشعر أن سبب مللي من العمل في الخارج هو أنه حين عودتي يتوجب علي إتمام عملي المنزلي المعتاد، أهلي يتهمونني بأني لا أريد العمل، وأنني متقاعس، مع العلم أنني أشعر أنه يتم استغلالي للعمل كما أسلفت في الاهتمام في المواشي من قبل والدي، وعلى الرغم من ذلك فأنا لا أحصل منهم على أي أجر.
عرض علي والدي الزواج مرتين ولكنني لم أقبل باختياره، بعد ذلك ربط مسألة زواجي بالعمل.
باختصار: أصبحت أشعر بالنفور من أهلي وإخوتي؛ لأنه على الرغم من عملي في المنزل إلا أنهم غالبا ما يسخرون مني ويتهموني بالخمول والفشل، أشعر أنه يتم استغلالي من والدي لجمع المال دون مقابل! أرجو النصيحة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ mohamed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم-، وردا على استشارتك أقول:
ينبغي عليك أن تعيد النظر في تفكيرك ببعض القضايا ومنها: أن تتفكر كيف حملت بك أمك، وكم عانت أثناء الحمل والولادة والإرضاع، والتربية في الصغر إلى أن بلغت ما أنت عليه اليوم.
ينبغي كذلك أن تمعن النظر كيف عانى والدك في صغرك، وكيف تعب في البحث على لقمة العيش، وكيف أنفق عليك في الصغر حتى تخرجت من الجامعة.
لا تجعل مسألة التفكير نظرية فحسب، بل عليك أن تتخيل نفسك وأنت قد تزوجت وصار معك ولد كيف ستعاني وتجهد نفسك من أجل إسعاده، كيف ستسهر إن مرض، وكيف ستقلق إن أصيب بوعكة صحية، وكثير منا -أيها الأخ الكريم- لا يعرفون قدر آبائهم وأمهاتهم، ولا معنى الأبوة والأمومة إلا إذا فقدناهم، وكذلك إن صار لنا أبناء.
مهما قدم الولد لوالديه فلن يعطيهما حقهما، فلقد أمرنا الله ببرهما والإحسان إليهما بمحكم، كتابه فقال: (وقضىٰ ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ۚ ) وقال تعالى: (وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ۖ وصاحبهما في الدنيا معروفا ۖ).
في الحديث الصحيح: أن رجلا كان بالطواف حاملا أمه يطوف بها، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- هل أديت حقها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة وقال رجل للنبي عليه الصلاة والسلام "من أحق الناس بصحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك" وقال: (لا يجزي ولد والدا، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه).
أنصحك أن تستعين بالله في كل شؤونك وأن تطلب منه العون؛ فإنه من استعان بالله أعانه ومن توكل عليه كفاه.
من أفضل ما يعين المرء على قضاء حوائجه ترتيب أوقاته، والمحافظة على أذكار اليوم والليلة، وقد أتت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تطلب منه خادما يعينها على أعمالها، فقال لها ولزوجها علي رضي الله عنه: (ألا أعلمكما خيرا مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعا وثلاثين وتسبحاه ثلاثا وثلاثين وتحمداه ثلاثا وثلاثين فهو خير لكما من خادم. قال علي ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم. قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين) فإن داومت على ذلك أعانك الله على قضاء أعمالك بنفسك دون الحاجة إلى معين سوى الله تعالى.
مهما وجدت من والديك من الشدة أو فيما يبدو لك أنها قسوة؛ فكل ذلك المقصود منه مصلحتك وليس استغلالك ماديا كما ذكرت.
استنهض ما أودع الله فيك من الصفات الحسنة، وتشجع في مواجهة الحياة؛ فأنت لا زلت في مقتبل العمر.
اعمل بالأسباب الجالبة للرزق ومن أهمها:
- تقوى الله: يقول سبحانه: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب).
- كثرة الاستغفار: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا).
- المحافظة على أداء الصلاة في جماعة: قال العلامة ابن القيم: (الصلاة مجلبة للرزق، حافظة للصحة، دافعة للأذى، مطردة للأدواء، مقوية للقلب، مبيضة للوجه، مفرحة للنفس، مذهبة للكسل).
- صلة الأرحام: فهو من أهم أسباب زيادة الرزق والبركة في المال، لقول النبي -صلى اله عليه وسلم-: (من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه).
- الإكثار من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: فقد قال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك) ومن الهموم هم الرزق.
- أن تكون شاكرا لله تعالى على سبيل الدوام: فالشكر الدائم يزيد الأرزاق ويفتح الأبواب المغلقة لقوله تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، (لئن شكرتم لأزيدنكم ۖ ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).
الهجرة من أجل طلب الرزق بعد التنسيق مع والديك: فمن الناس من خرج من بلده بعد ضيق في العيش ففتح الله عليه أبواب الرزق يقول تعالى: (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ۚ) وإن كان من أهل التفسير من قال: إن المقصود بالهجرة هنا الهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام. لكن العبرة بعموم لفظ الآية.
السعي في مناكب الأرض، وعدم البقاء في نفس المنطقة، قال سبحانه: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ۖ وإليه النشور).
لا تبق منتظرا للوظيفة بل قدم ملفك للجهات المختصة في البلد، وابحث كذلك عن أي عمل آخر متاح حتى ولو كنت تعود للبيت وتكمل العمل المعتاد فيه من العناية بالمواشي وما شاكل ذلك.
ما تجده من النفور من أهلك للشيطان فيه مدخل ولا شك؛ إذ أنه يريد أن يفسد علاقتك بأسرتك، وعليك أن تنتصر عليه في هذه المعركة، فكن أنت خادم أسرتك، وكما يقال في المثل: (خادم القوم سيدهم).
لن يستمر الحال على هذا المنوال، ولا شك، بل ستحدث تغيرات كثيرة خاصة إن تزوجت وصار لك أولاد فإنك قد تستقل في سكنك؛ لأن العبء سيكون عليك ثقيلا.
عليك أن تثبت لوالديك أنك تتصف بصفات غير ما يتهمونك بها، وذلك من خلال البحث عن العمل، والاجتهاد في إسعادهما بقدر ما تستطيع.
اقترب منهما أكثر، واجتهد في برهما وطلب رضاهما ودعائهما؛ وستجد أن الحال تتغير -بإذن الله تعالى-.
وثق صلتك بالله تعالى، واجتهد في تقوية إيمانك من خلال الإكثار من العمل الصالح؛ فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
أكثر من تلاوة القرآن الكريم، وحافظ على أذكار اليوم والليلة؛ يطمئن قلبك، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله لك التوفيق.