السؤال
السلام عليكم
أعاني من الوساوس، وأحاول بقدر الإمكان تجنبها، ولكن بعد الوضوء أشعر بحركة، ثم أشم رائحة لا أعلم هل هي خارجة مني أم لا! ويزيد شكي لدرجة أنني أعيد الوضوء كثيرا، لقد تعبت من هذا الأمر، فهل له حل لديكم؟
ثانيا: أثناء الصلاة يأتيني وسواس أنني نسيت أن أقرأ سورة الفاتحة، وأحيانا أقول: إن ذلك وسواس وأكمل صلاتي، ولكن غالبا أعيد الصلاة لكثرة الوسواس، وأشعر أن صلاتي غير مقبولة، ورغم أنني أصلي صلاة المغرب والعشاء في جماعة بالمسجد إلا أنني أشعر بجهد كبير أثناء قراءة الفاتحة، فما الحل لمشكلتي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Mohamed حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم-، ونسأل الله أن يمن عليك بالعافية، والجواب على ما ذكرت:
- اعلم أن الوسواس من المشكلات العصيبة التي يتعرض لها عدد من الناس، وهو متفاوت في خطورته، فقد يبدأ بأمور بسيطة عارضة حتى تصل بصاحبه إلى قضايا خطيرة، ويحتاج إلى وقفة جادة في المعالجة، ولا داعي للشعور باليأس من الخلاص منه.
- ثم اعلم أن مسألة استحواذ فكرة الوسواس في الطهارة وإعادة الوضوء أكثر من مرة، وكذلك الذي يحدث لك في الصلاة من الزعم أنك لم تقرأ الفاتحة، هذا يعد من الوسواس السلوكي واللازم أن لا تعطيه أي اهتمام، بل استمر في وضوئك ولا تعده، وإذا قال لك بأنك لم تقرأ الفاتحة لا تستجب لذلك بل استمر في صلاتك.
- ثم عليك سرعة الخلاص من هذا الوسواس، واعلم أن للخلاص منه طريقين: طريق عام: وطريق خاص:
1- أما الطريق العام فيكون:
* بكثرة الذكر، والمحافظة على الصلاة، وقراءة القرآن والاستغفار، فالذاكر لله تعالى ينصرف عنه الشيطان، قال ابن تيمية: "والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، لأنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، قال تعالى: ﴿إن كيد الشيطان كان ضعيفا﴾، [النساء: 76]، وكلما أراد العبد توجها إلى الله بقلبه، جاء الوسواس من أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد قطع الطريق عليه".
* ومن طرق الخلاص: طلب العلم الشرعي: قال ابن الجوزي: "اعلم أن الباب الأعظم الذي يدخل منه إبليس على الناس هو الجهل، فهو يدخل منه على الجهال بأمان، وأما العالم فلا يدخل عليه إلا مسارقة، وقد لبس إبليس على كثير من المتعبدين بقلة علمهم؛ لأن جمهورهم يشتغل بالتعبد ولم يحكم العلم"، فطالب العلم يعرف الأحكام المتعلقة بالشرع، وما يصح منها وما لايصح، ويعرف الوسواس وطرق الخلاص منه.
* ومن العلاج الوسوسة: الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء بصدق وإخلاص، كي يذهب عنك هذا المرض.
2- أما العلاج الخاص للوسوسة: فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته" رواه البخاري، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا، خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل: آمنت بالله، وفي رواية: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق السماء، من خلق الأرض؟ فيقول: الله ثم ذكر بمثله، وزاد: ورسله"، رواه مسلم.
ويمكن أن نستخلص طريقة علاج الوسواس من هذين الحديثين، وذلك بالآتي:
* قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم عندما يطرأ عليك الوسواس.
* ثم قل: آمنت بالله ورسوله، أو قل آمنت بالله ورسله.
* اترك الاستطراد في الوسواس فلا تلتف لما جاء فيه مطلقا، ولا يضرك ما يحصل لك، وليس عليك فيه إثم، وضوؤك صحيح وصلاتك صحيحة، فقد جاء في الحديث: "فليستعذ بالله، ولينته"، فمعناه: إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء، فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته، وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها.
قال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواء نافع هو الإعراض عنه جملة، وإن كان في النفس من التردد ما كان، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثير ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها"، راجع الاستشارة رقم: 2319982.
- ثم اعلم -أخي الكريم- أن مرض الوسواس قد يكون مرضا نفسيا، وأنت بحاجة لأخذ مشورة طبيب نفسي، كما أن هذا المرض قد يكون سببه البعد عن الله تعالى والإكثار من المعاصي والذنوب، وإذا كان هذا فيك فعليك بسرعة التوبة إلى الله تعالى.
ويمكن أخي الكريم أن تداوم على الرقية الشرعية من قراءة سورة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذات، ونحو ذلك، ففيها الخير إن شاء الله.
كان الله في عونك.